17 سبتمبر 2025

تسجيل

دول الخليج والاستقرار المالي

28 أكتوبر 2018

تكاتف خليجي لوضع سياسات نقدية ومالية متسقة يعتبر الاستقرار المالي والنقدي عصبا للاستقرار الاقتصادي، بل لا يمكن إجراء أي إصلاح اقتصادي دون أن يسبقه ويتزامن معه إصلاح مالي ونقدي ، ولا سيما أسعار صرف العملة وأسعار الفوائد ومستويات الدين العام والتضخم وغيرها. وقد كتبنا في غير مرة عن موضوع رفع سعر الفائدة الأمريكية وتأثيره على الاقتصادات الخليجية بسبب ارتباط سعر العملات المحلية بالدولار. ونعود للحديث عن الموضوع اليوم بمناسبة اجتماع لجنة محافظي البنوك المركزية الخليجية مطلع الأسبوع الماضي، حيث ركز محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل في كلمته على التحديات التي تواجهها دول المجلس بسبب ما يعانيه العالم حالياً من هجرة رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة وتقلبات أسعار صرف العملات ورفع أسعار الفائدة وتضخم الديون العالمية والنزاعات التجارية التي تدخل جميعها الاقتصاد العالمي في حالة من الاستقطاب والصراع، داعيا إياها إلى توحيد المساعي والتعاضد لمواجهة تلك التحديات. وتحذيرات محافظ بنك الكويت المركزي لم تنطلق من فراغ، حيث أطلقت اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي وبالتزامن مع الاجتماعات السنوية المشتركة مع البنك الدولي التي عقدت منتصف الشهر الجاري في بالي تحذيرات مماثلة وطالبت بضرورة الإسراع في خطوات الإصلاحات المالية وخاصة في ما يتعلق بتفاقم الدين العام وتقلبات العملة وضعف الشمول المالي بكونها أمرا بالغ الأهمية لرفع النمو الممكن وزيادة التوظيف. وصحيح أن هناك مؤشرات على تعافي الاقتصاد العالمي إضافة الى تحقيق الاقتصادات المتقدمة ارتفاعا نسبيا في معدلات النمو، إلا أن تبني بعض الاقتصادات المتقدمة لسياسات نقدية انكماشية أدى إلى ارتفاعِ أسعارِ الفائدة والصرف لديها مما أثر على تنافسية اقتصاداتها فجنحت إلى فرض تدابير حمائية،حيث ساد المشهد الاقتصادي العالمي نظرة انعزالية على نحو غير متسق مع مسار الدورة الاقتصادية الراهن، بل ومعاكس له. وبطبيعة الحال، فإن دول المجلس ليست بمنأى عن المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية لاسيما في ظل اعتمادها على مورد أساسي يخضع لتقلبات السوق ويتأثر بتلك المخاطر جميعها. هذا عن كون التأثر المباشر لهذه الاقتصادات من جراء رفع سعر الفائدة وتقلبات العملة، حيث عادة ما تقوم البنوك المركزية الخليجية برفع سعر الفائدة لديها بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي بإجراء مماثل، وذلك بسبب ارتباط العملات الخليجية بالدولار كما ذكرنا. وبسبب ذلك، شهدت أسواق الائتمان المصرفية الخليجية ارتفاع تكلفة التمويل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. ومن الأمثلة على التمويل قصير الأجل تمويل التجارة، الذي ارتفعت تكاليفه، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الواردات أيضا ومما يعني ارتفاع معدلات التضخم المستورد. كما ارتفعت تكاليف الاستدانة لشراء السلع المعمرة كالسيارات بنسبة ارتفاع الفوائد الأمريكية نفسها تقريبا. كما يمتد تأثير ارتفاع سعر الفائدة ليشمل ارتفاع تكلفة القروض المصرفية على الشركات المقترضة، وهو ما يعني رفع تكلفة الإنتاج والخدمات لهذه الشركات، وسوف يفضي بالنهاية لرفع الأسعار النهائية للمنتجات والخدمات ويولد ضغوطا تضخمية. كما أنه يقلل طلب الشركات على الاقتراض المصرفي نتيجة رفع تكلفة الاقتراض، وهو يعني تقليل حجم استثمارات القطاع الخاص، في وقت تحتاج فيه دول التعاون إلى تحفيز الاستثمار الخاص من خلال خفض تكلفة الاقتراض المصرفي وذلك بهدف تنفيذ حزم الإصلاحات الاقتصادية التي تولي القطاع الخاص دورا رئيسيا فيها. ومن هنا تبرز أهمية دعوة محافظ بنك الكويت المركزي إلى تكاتف جهود دول التعاون من أجل وضع ترتيبات لسياسات نقدية ومالية متسقة تحمي مصالحها وجهودها من أجل التنويع الاقتصادي المستدام.