12 سبتمبر 2025

تسجيل

تمثيل بإتقان !

28 أكتوبر 2018

بعد قرابة شهر من مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي رحمه الله في قنصلية بلاده في إسطنبول، يخرج لنا المشتبه الأول في هذه الجريمة المروعة ؛ ليقول لنا: إنها جريمة بشعة وغير مبررة، بل إن ولي العهد السعودي عاش دور المسؤول النزيه والبريء، ليوضح أنه مصمم على محاسبة المجرمين وتقديمهم للعدالة. فهل سيكون المشتبه به جريئاً بالدرجة المطلوبة ليقدم نفسه للمحاكمة مع العصابة الدبلوماسية التي قامت بدور التخدير والقتل والتشريح والتمثيل والكذب والإنكار ثم الاعتراف الهزيل والمتلون أخيراً ؟!. نعلم جيداً قصة المسرحية التي خرج عليها بن سلمان في مؤتمر الاستثمار الباهت الذي قاطعته كبرى الشركات العالمية والشخصيات الاقتصادية رفيعة المستوى لم يكن إلا لاجتذاب شريحة الداخل لديه؛ لأنه بات يعلم أن صورة محمد بن سلمان الجميلة لدى بعض فئات شعبه قد اهتزت وساورها شك عظيم حول بياض ولمعان هذه الصورة لولي عهدهم، فكل الدلائل تشير إليه وكل العالم يكاد يقسم على أنه القاتل الفعلي لهذه الجريمة الوحشية التي جاء وصفها على لسان قمة الهرم في تركيا وهو الزعيم أردوغان؛ حتى أن كبرى الدول الأوروبية السبع قد اتخذت إجراءاتها لمعاقبة السعودية واستبقت أمريكا نفسها التي تعد هي الأخرى قائمة بعقوبات على الرياض ستأتي حتما بعد الاجتماع المرتقب لترامب مع رئيسة وأعضاء المخابرات الأمريكية الذين زاروا الرياض وأنقرة واسطنبول في الوقت نفسه للاطلاع على ما يمكن أن يثبت الشكوك حول السعودية وتجريمها. ولذا لم يكن صعبا على ولي العهد السعودي أن يتحدث بهذا الأسلوب الذي أراد من خلاله استمالة شعبه قبل أن يفكر بالآخرين الذين لن يصدقوا هذه المهادنة التي بدا عليه بن سلمان رغم الارتباك الواضح في كلماته ونظراته التي تقاربت وتباعدت في الوقت نفسه؛ وهذا دليل ضمني يضاف لعشرات الأدلة الواضحة والمبهمة التي تؤكد أن ما حدث في قنصلية المملكة العربية السعودي في اسطنبول وبحضور القنصل والموظفين السعوديين فيها بعد تسريح الموظفين الأتراك منها هو بأمر وإشراف وتخطيط من شخص مراهق بمنصب ولي عهد ؛ استطاع فعلا أن يستميل شعبه ورأينا أمس موقع تويتر كيف هاجت الحسابات السعودية فيه تمجيدا لمحمد بن سلمان؛ وسعت آلاف الحسابات للذباب الإلكتروني ولشخصيات بارزة ومشهورة لمسح مئات التغريدات المسيئة للرئيس التركي بعد الغزل الواضح والتودد المفتعل الذي أبداه ولي العهد السعودي تجاه أردوغان بعد أن تجاهله الأخير تماما في خطابه الذي شرح فيه كيف تمت عملية تصفية خاشقجي وكذّب روايات الرياض المتقلبة حولها. نحن لسنا في علاقة هذا الشخص بشعبه فهو أمر لا يغير من الحقيقة ولا يستند إلى حقائق، لأن الحقيقة التي يسعى لها العالم بأسره واضحة ولا يخفيها غربال التدليس والخداع الذي يُمارس اليوم ويظن أصحابها أنهم يستطيعون المضي فيها بحرية، ولكننا أمام ما تثبته الرياض كل دقيقة في إلصاق التهمة بها فهل يعقل أن يصدر تصريح رسمي من أعلى قمة هرم الحكم في السعودية على مقتل مواطن لها في قنصليتها الحكومية في اسطنبول بعد قرابة شهر من هذه الجريمة النكراء؟!، هل يمكن أن يصدق مسؤول دولي هذه الصورة الباهتة التي خرج عليها بن سلمان، وهو يشير إلى نفسه مزاحما الكبار في أنه سيسعى إلى تقديم مجرمي هذا الفعل المقيت إلى العدالة وهو الذي عرقلها منذ البداية في المماطلة من تفتيش القنصلية وبيت القنصل لأكثر من عشرة أيام تقدمت فيها السلطات التركية أكثر من مرة بإذن الدخول بغرض التفتيش وكانت المماطلة نفسها تراوح مكانها في الإذن بتفتيش بيت القنصل والبئر الموجودة فيه وسيارة القنصلية التي عُثر عليها في مرآب بعيد عن مرأى السلطات، فهل كانت هذه هي الشفافية والإصرار على العدالة وحسن النية التي أكد عليها ولي العهد السعودي ؟! مجنون من قال نعم هي الشفافية المطلوبة ! عموما لن نبقى طويلا بعيدين عن الحقيقة المطلوبة وبإذن الله ستظهر تلك الحقيقة التي تصر تركيا على لسان رئيسها المضي بها وعدم التستر عليها كما أشار أردوغان إلى تعمد الرياض في ذلك، ولعل ترامب يبدو أشد صراحة في هذا رغم تقلبه هو الآخر وتلونه في هذا الأمر، لكني وبعد خطاب الرئيس التركي أمام مجلس الشورى الخاص به؛ علمت أنني قد أكون قد تسرعت في الحكم عليه؛ وأنه بالفعل سيكون الوسيلة المثالية لقول الحقيقة الواضحة لكنها تحتاج إلى أنقرة لطرحها أمام العالم ونحن لا شك في أول الصفوف لاستقبالها. ◄ فاصلة أخيرة: من حق العالم أن يعرف الحقيقة ومن حق الرياض أن تمثل دور الحقيقة بإتقان !. [email protected]