23 سبتمبر 2025

تسجيل

عندما يهز القلم عروش الاستبداد

28 أكتوبر 2018

ويبقى جمال خاشقجي ضحية فكر إصلاحي معتدل هادئ، لم يحمل سيفاً أو قنبلة، بل كان يحمل قلماً حرّاً جرفه إلى وطن غير وطنه ليتنفس على أرضه هواء الحرّية الفكرية المفقودة، وقد ذكر في مقالته الأخيرة في واشنطن بوست بعنوان «أمسُّ ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير». كنت أبحث على الإنترنت للنظر بمؤشر الحرية الصحفية لعام 2018 الذي نشرته «فريدوم هاوي» وتوصلت لإدراك خطير هناك دولة واحدة فقط في العالم العربي نالت تصنيف «حرة» تلك الدولة هي تونس وتليها الأردن والمغرب والكويت بتصنيف حرة جزئيا، وتصنف دول العالم العربي على أنها غير حرّة، «لذلك رحل من وطن الاستبداد إلى وطن الحرّية الفكرية ليقدم رسالته التي يحلم بها كل مخلص لدينه ووطنه وبكل أريحية بعيداً عن الرقابة والمتابعة والسجون، ويخط بقلمه مقولة الفاروق «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» رسالة مختلفة في زمن مختلف من الصراعات والاختلافات وسباق زمنّي تنافسّي على السلطة، بين حروفها وكلماتها شغف بالحرية وترسيخها في العالم العربي، تلك الحرية التي من أجلها فقد حياته وبطريقة وحشية بشعة مختلفة، ضجّت من هولها المجتمعات والمنظمات الدولية والعالمية الحقوقية، ولكنه الاُسلوب الداعشي الذي يسيطر على القلوب القاسية والعقول المستبدة يجعل أصحاب الرأي المخالف للسلطة تحت وطأة استبداد أنظمتهم وبين قسوة جلاديهم، متناسين قوله تعالى: «لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ». ماذا جنى جمال حتى تقطع أوصاله أشلاء بدم بارد وعلى أنغام الموسيقى، ويصبح قتله رواية متداولة بلا معالم وبلا نهاية، حروفها مزيج بين الكذب والدجل والتدليس لإبعاد الشبهات عن مدبر الجريمة، والقائم بتنفيذها وطمس الحقيقة بين دهاليز السياسة القذرة عن القاتل، الذي لا يمكن أن تغيب معرفته عن الجميع مع بداية تاريخ الشروع في القتل 2/نوفمبر، قتل في قنصلية مملكته بتدبير مبيت من السلطات العليا في المملكة، إنها أبشع جريمة إنسانية ارتكبت لمواطن في قنصلية وطنه وبأيد وطنية، دخل آمناً وخرج قتيلاً، ليترك خلفه الكثير من الاستفسارات والتكهنات والتحليلات وتتحول الجريمة إلى قضية عالمية، لم يكن جمال هو الأول ضحية رأي، ولكنه امتداد لمن سبقه من أصحاب الرأي الذين استقر مقامهم في السجون والمعتقلات السياسية والفكرية، ولم تعرف مصائرهم، ولكنه كان أكثر منهم حظاً في التشهير والاهتمام الدولي والعالمي، والتغطية الإعلامية، والمكان المختلف، على غير أرضه وسياسة مختلفة لها سيادتها في كيفية التعامل مع الإجرام والمجرمين والتي مازالت تتبع تفاصيل وتداعيات الجريمة، لتجد إجابة للسؤال الذي حاز اهتمام العالم، ويترقب الإجابة عليه، أين الجثة؟!! …. فلم يكن الإنسان من الغباء حتى لا يدرك من الذي دبّر للجريمة، ومن نفذها، وليس من الغباء أن يصدق أن الجريمة وقعت نتيجة شجار وتشابك بالأيدي مع الأشخاص الذين دخلوا القنصلية السعودية لاستجوابه، أو التصديق والجزم بأنه خرج من الباب الخلفي، فأي شخص وأي دولة بل وأي منظمة لن تتجرأ على الدخول الى مبنى القنصلية وهي محصّنة، ولكنه الكذب والافتراء حين لا يجد المدبّر والمنفذ منفذا للخروج من التهم التي تلاحقهما، فمن يضحك على الآخر ؟!! وبماذا نفسر توالي العقوبات الدولية على المملكة العربية السعودية باختلاف دولها ومنظماتها وشركاتها، 160 منظمة خرجت ببيان تطالب بوقف الأسلحة عن المملكة وتعهدت المستشارة الألمانية بعدم بيع الأسلحة لها، وقاطعت شخصيات سياسية واقتصادية ومؤسسات إعلامية حضور منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض بعدما تحدثت تقارير إعلامية دولية عن تورط محتمل أن القيادة السعودية هي المسؤولة عن العملية بتدبيرها وتنفيذها وغيرها من العقوبات الجزاءية، حتى تنجلي الحقيقة كاملة. فالمملكة بثقلها الديني التي شرفها الله بالحرمين الشريفين، على أرضها، تهوي الى منزلق خطير يؤدي بها إلى مكان غير المكان الذي اعتادت أن تكون فيه بسبب تصرفات طائشة لا تحسب حسابا لعواقب الأمور. ولاتدرك قوله تعالى في عقوبة قتل النفس بغير حق: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا».