17 سبتمبر 2025

تسجيل

طائِرات بدون طيّار

28 أكتوبر 2013

كثرت أنواع الطائرات بدون طيار بمفهوم الطائرات الجوية العسكرية في عالم الواقع او النفاثة في العالم الافتراضي. فما يطلق عليه في عرف الطائرات التي تبرمج عن بعد وتوجه نحو حمولة واهداف محددة سلفا وهي لا تحمل مقصورة قيادة ولا يقودها كابتن خاص بها لتفتك بمدنيين رغم ضجر القانون الدولي باستهدافهم، هي ذاتها تلك التي اجدها تطلق على قائد تويتر الوهمي غير المعرّف باسم عندما تحمل طائرته حمولة تنفثها دون ان تعرف لها صاحبا خصوصا اذا ما كانت محملة بالأحقاد وألسنة اللهب التي يشعلها البعض قصدا على الأفراد ويكون المستهدف بها الدول قبل الأفراد أيضا وبدافع النيل من سياسة دولة الخصم. الطائرات بدون طيار في عرف الاستخدامات العسكرية مشروعة ولكنها غير أخلاقية وغير آمنة، فآفة الظلم فيها ان مبرمجها "كدولة"غير معرض لخطر حقيقي رغم انه يقود اهدافا قد تكون غير مشروعة خصوصا عندما تتسلط على المدنيين أو عند عدم اخضاع آليات استخدامها للقانون الدولي حتى لو كانت معروفة المصدر، وكم من ضحايا سقطوا اهدافا لها دون ان تحسابهم يد القانون الدولي. ولكن الطائرات الافتراضية غير المسماة او التي تنطلق بأسماء وهمية او مستعارة باتت علما على وسائل التواصل وخصوصا تويتر وهي أشد فتكا، إذ ليس لها لا طيار يحددها ولا حتى انتماء يوضح مصدرها بل بعدت عن الأهداف التي شرعت لها فجنحت عن أن تكون مساحة لحرية الرأي والتعبير الى كونها أدوات للتجييش والتأليب وزرع أذرع لمخابرات الدول بأسماء وهمية ومستعارة قد يكون الهدف الأول منها الفتّ في عضد الخصم. ومثلما انتقل الاستخدام في عرف الطائرات الواقعية من الأهداف المحددة عسكريا او الاستطلاع والمراقبة وإطفاء الحرائق وغيرها، قامت حرائق جديدة بفعل طائرات تويتر التي تنفث وتسب وتقذف وتشتم وتجيّش شعوبا على شعوب ودولا على دول دون قانون يردعها او حتى اخلاقيات عامة تؤطر لها وباتت الدول تتعرض أكثر وأكثر للقلاقل فيما بينها أو في داخلها وبين بني لحمتها ولم نعد نجني ما نرتجيه من تويتر. فتويتر المعّرف بأصحابه يستهدف النضج المدني والمشاركة الديمقراطية بزيادة مساحة الرأي والتعبير لدى الأفراد والذي يؤطر مشروع الحركة المدنية الشفافة دون وجل. اما الكتائب المسخرة لأهداف استطلاعية واستخباراتية فهي تستخدم الإعلام الجديد ضد الدول والمدنيين دون طيار بل أكثر، اعني بتمييع هوية واسم ومنشأ ومصدر الضربات السياسية والاستخباراتية. أعود للواقع ففي عرف الطائرات الحقيقية اعترف المقرر الخاص للأمم المتحدة لحالات الاعدام خارج نطاق القضاء بـ "ان عالما يستخدم فيه الكثير من الدول هكذا اسلحة بطريقة سرية هو عالم اقل امنا". وهو هنا يقرّ مثله مثل المقررين الخاصين المعينين من قبل الامين العام للامم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان بشأن طائرات بدون طيار ضرورة إبداء أمريكا الشفافية بشأن العمليات التي تنفذها باستخدام طائرات بدون طيار حتى في ظل الاعتراف الدولي بشرعية استخدامها شريطة ان تكون في أهدافها وبقانونها الدولي. وهذا ألم سياسي واقعي.. إذ تشتكي الكثير من الدول — ومنها باكستان مجددا — من انتهاك امريكا للقوانين الدولية وتطالب بالوقف الفوري لغاراتها الجائرة في اراضيها نظرا لتسببها في سقوط عدد كبير من الضحايا من المدنيين. ولكن دون جدوى في منظومة الأمم المتحدة الظالمة رغم كثرة من تستهدفهم الطائرات العمياء من الأبرياء. ولأننا نعيش الوهم الدولي، كنت اتمنى لو طبق شيء من القانون الأخلاقي على الطائرات الافتراضية التي تنتهك خصوصية الأفراد والدول بل وأيضا زعماء الدول رغم اننا عاجزون عنه في الواقع حتى تبين لي ان هذا ليس امنية بل هو حلم فاشل، إذ ان أمريكا هي مكمن الداء ومطلب الدواء فهي ذاتها التي خرجت بهذه الأوعية ثم ما لبثت ان جمعت وعاءها لتشكل بها أكبر منظومة اختراق استخباراتية على العالم دون أخلاق. متى سيُلزم العالم بقانون دولي اخلاقي على الأقل يحمي حياة الأبرياء في كل مضمار في العالم الواقعي وحتى الافتراضي؟ لست أدري! ومن سَيُلزم من بهذا التطبيق؟! لست أدري! هل سينجح قانون ينظم تعريف كل طيار أو على الأقل يحدد مكان انطلاق كل طائرة في السماء او في وسائل الاتصال او التواصل وغيرها؟ القانون الدولي وللأسف لم يحمِ المدنيين في الواقع حتى يحميهم في عالم الافتراض بل لم يحمِ الدول الصديقة والحليفة ايضا من اكبر نظام تجسس تقوم به امريكا. العالم يموج مسخا وظلما دون ورع سياسي ودون الرد على الانتهاكات، بل وبالسكوت المدوي أيضا من قبل الحلفاء المنتهكين بطعنة الصديق ايضا، وما السكوت إلا لمصالح مشتركة. فقد نشرت الباريزيان Le parisien منذ أيام "ان السلطات الفرنسية غاضبة من التجسس الأمريكي لكنها لا ترغب في التصعيد". انجيلا ميركل المستشارة الألمانية وجهت استنكارها لأوباما قائلة: (هل تتنصتون على هاتفي؟) مقارنة بما يصيب أقوامنا الصامتين.. نقول: (لا يا حبيبتي.. خطاكِ الشرّ.. هذا مجرد غزل أمريكي).