19 سبتمبر 2025

تسجيل

تربية الأبناء تضيء الطريق للأجيال

28 أكتوبر 2011

تتبلور شخصية الطفل من خلال الملامح التي يتم استقراؤها وفقاً لتجسيد رغبة الوالدين في صلاحه وفلاحه ومن منطلق محبتهم له وخوفهم عليه وهذا شعور فطري، الإنسان لا يولد عدائيا وقد يكون حاد الطباع أو بمعنى آخر عصبي، بيد أنه ومنذ نعومة أظفاره يبدأ بإدراك الأشياء، والتفريق بين الخطر منه وغيره كالنار والماء الحار، فهو لن يتوانى في وضع إصبعه في الماء الحار وإذا لسعت الحرارة جلده فإنه يدرك الخطر ويبتعد عنه وهكذا يتعلم شيئاً فشيئاً لتتفتق المدارك ويتسع الذهن لاستيعاب مستجدات المراحل المتلاحقة، وتبدأ مرحلة الاختلاط مع أبناء الجيران وهكذا ينعكس الفعل ورد الفعل، ولا ريب أن النزعة العدائية تنمو وتتضخم طبقاً للوسائل المحرضة بهذا الصدد وقد تتم أحياناً عن حسن نية وبإيعاز من الأب أو الأم لرغبتهم كذلك بأن يكون ابنهم قوياً أو ابنتهم قوية، في حين أن تفسير القوة بتمجيد ضرب ابن الجيران وطرحه أرضا سيسهم في تعزيز العنف والعنف المضاد وترجمته كمعيار للصح في سياق خاطئ، وكان الآباء في السابق وكذلك الأجداد حينما يعتدي الابن على ابن الجيران فإنه يأكل (علقة) ساخنة تفوق في مستواها (العلقة) التي أكلها ابن الجيران وهذا الفعل نابع من خوفه من رب العباد في المقام الأول ورفع الظلم أياً كان نوعه حتى ولو كان من فلذة كبده، وبذلك تصبح المعايير التربوية أقرب إلى الإنصاف من جهة وإضاءة الطريق للابن من جهة أخرى في تجنب الاعتداء على الآخرين، بل ونبذ العنف فإذا كان والده عنفه على هذا التصرف غير اللائق فإنه قطعاً يدرك بأن هذا السلوك خاطئ وبذلك يتجنب هذا الطريق المتعرج، بينما تحدث في بعض الأحيان ممارسات تغذي ركيزة العنف بالإشادة به، فإذا كان الأب الذي ضرب ابنه لضربه ابن الجيران كان منصفاً، فإنه في الوقت نفسه خائف عليه لأنه وفي حال تركه سيجلب لنفسه ولأهله المشاكل المتتالية، وفي المقابل فإن من يشيد في استمرار الظلم ولا يبرح متشدقاً بقوله (بعدي ذيب)، لاعتدائه على الآخرين فلا تستغرب أن يستمر الولد في هذا السلوك العدواني لتجد (ذئباً) يمشي في الشارع وليس إنساناً عاقلاً يزن الأمور بحكمة وفقاً لاتكاء أجوف على إشادات خرقاء لن تلبث أن تجر عليه المصائب تلو المصائب وكل يوم في قسم الشرطة ليخلص ابنه من حقوق الناس، فيما كان حرى به أن ينقذ ابنه من بداية الأمر، فلو مارس تمرير العدل والإنصاف من البداية من واقع التربية الصحيحة والتنشئة السليمة، ومخافة الله قبل كل شيء، لما وقع في المشاكل فضلاً عن الأضرار التي قد تلحق بفلذة كبده، لأنه قد يقع في قبضة ذئب آخر أشرس منه، ولا ريب أن التعليم وانتشاره قد حد كثيراً من هذه التجاوزات، وصحح كثيراً من المفاهيم الخاطئة، إلا أن (النبرة الذئبية) لم تزل تلقي بظلالها الكئيبة، لتفرز لنا ذئاباً صغاراً في عنهجية تصقلها الشراسة مفضياً هذا الأمر إلى نشوء نزعة عدائية لا تستجيب للمنطق، بقدر ما تكون الأصفاد بكل أسف نهاية محزنة لمسلسل درامي أخرجه وأنتجه الأب وبطولة الذئب الذي دفع ثمناً لم يكن بحال من الأحوال سوى استحقاقاً لسوء التربية، والأب في هذه الحالة يتحمل الجزء الأكبر، لأنه هو من أسهم في صياغة هذا النموذج غير المشرف، ومن هنا كانت نظرة الأب الذي ضرب ابنه ثاقبة، لأنه يدرك بأن الانعكاس سيكون أشد وطأة حينما يتجاوز نطاق ابن الجيران إلى الحي بل إلى المدينة بأكملها، وهو بالدرجة الأولى يحميه ويخاف عليه، بينما الآخر ومن زج بابنه إلى سوء العاقبة فإنه بات يخاف معه وعلى مصيره، وفي ذات السياق فإن هناك وبكل أسف أمثالاً تحرض على السلوك غير السوي، وتنهش في القيم بكل بجاحة، وعلى سبيل المثل القائل (جلد مهوب جلدك جره على الشوك) يا ساتر، إذا كان ديننا الحنيف يحثنا على الرفق بالحيوان وعدم إيذائه تبلغ الصفاقة بجر الجلد على الشوك لمجرد أنه غير جلدك، وإن كان من أطلق هذا المثل العابث البائس هو الذي يستحق الجلد على جلده لكي يعلم أن من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة وإن كان قطعاً من فصيلة الذئاب تلك، من هذا المنطلق تبرز العنجهية، ويمسي العنف وتمريره موائماً ومواكباً لهذه الأمثلة التعيسة ومسوغاً لمسالك القسوة في خضم أوهام توحي بالبطولة والإقدام والشجاعة، إلا أن القوة ما لم تخضع للسيطرة من العقل قبل القلب، فإنها ستصبح قوة همجية، وأقرب إلى صفة البهيمية منها إلى الإنسان، وقيل (لا شيء أرق من القوة الحقيقية ولا أقوى من الكلمة الرقيقة)، وقطعاً القوة الحقيقية المقصودة، هي التي تنبري لرفع الظلم، وإقامة العدل حينئذ فإنها ستكون رقيقة سلسة، لأن الإنصاف أضاف إليها أطر الاتزان، حينما أضحى الحق ولا شيء غيره معياراً دقيقاً، فلك أن تتخيل من أعيد إليه حقه حينها، فإن القوة أصبحت في نظره رقيقة عذبة كنسمة هواء عليلة، فيما تعد الكلمة الرقيقة قوية لأن تأثيرها على النفوس أبلغ، وأجدى فضلاً عن أن الكلمة الطيبة صدقة. مجمل القول إن تجفيف منابع العنف، واستبدال القسوة بالسماحة واللين، والرفق، من شأنها بلا ريب تكريس التواد والتراحم والتعاطف، وهذه الصفات حثنا عليها ديننا الكريم، وإن كانت المسؤولية مشتركة بهذا الصدد بين المدرسة والمنزل، بنسب متفاوتة، ناهيك عن نشوء ازدواجية في سلوك الطفل حينما يذهب إلى المدرسة ويسمع من المعلم عكس تصورات الأب في ذهنية الطفل، وتظل محاسبة الضمير ومراقبة المولى قبل كل شيء هي المحك في كل صغيرة وكبيرة.