11 سبتمبر 2025

تسجيل

أبعاد وجدانية للآلام الجسدية 1 - 2

28 سبتمبر 2023

هل يمكن للألم العضوي أن يُستثار فيتضاعف، أو يُهمل فيخبت؟ إن هذا التفاعل المتناقض ليس سوى انفعالاً وجدانياً مصدره (العقل) وحده، يصبّ في حقيقة (الألم) كمعنى، أو معنى خاص يتشكل بصورة أو بأخرى لدى كل إنسان، حسب الشخصية أو الموقف أو التوقيت أو الاستعداد، وحسب عوامل أخرى في قائمة لا تنتهي! من خلال هذا المعنى، يعرض المؤلف رأيه العلمي في لغة عذبة مستخدماً أسلوب السهل الممتنع رغم مادة الكتاب العلمية، والتي تفرض على القارئ قدر عالٍ من التصالح النفسي والسلام الداخلي. غير أن الكتاب لا يصلح للقارئ «الموسوس» الذي قد تلحق به علّة ما من حيث لا يحتسب تعود لهواجسه وحسب، والتي بطبيعتها تحيل كل مرض عضوي لسبب نفسي، ظاهر أو خفي!. أما المؤلف، فهو د. عادل صادق (1943: 2004)، تعلّم وتخرج في كلية الطب عام 1966 نزولاً على رغبة والده، رغم ميله نحو الأدب والفن الموسيقى. حصل على درجة الدكتوراه في الأمراض العصبية والنفسية عام 1973، وعمل أستاذاً للطب النفسي والأعصاب بكلية طب عين شمس. شغل مناصب أخرى منها رئيس تحرير مجلة الجديد في الطب النفسي، وأمين عام اتحاد الأطباء النفسيين العرب، وافتتح عام 2000 مستشفى يحمل اسمه لعلاج الإدمان والأمراض النفسية لا تزال تمتد شهرته على مستوى الشرق الأوسط. عُرف بالنبوغ منذ صغره وبدماثة الأخلاق وإخلاصه للعمل وسعيه الحثيث نحو رفع وعي المجتمع بالمرض النفسي وسبل علاجه، وذلك من خلال مؤلفاته وأبحاثه التي تجاوزت الثلاثين إصدار، والتي أهلّته عام 1990 للحصول على جائزة الدولة في تبسيط العلوم. يعالج المؤلف من خلال كتابه القصير (الألم النفسي والعضوي) سبعة مواضيع رئيسية. فيبدأ في الفصل الأول -وبشيء من فلسفة- بالحديث إجمالاً عن الألم، كإحساس وكانفعال وكعقاب للذات وكوخز للضمير وكبديل للصراع وكتعبير عن العدوان وعن الحب، لينتقل في الفصل الثاني للحديث عن الأمراض النفسية وارتباطها بالألم، كالقلق والهستيريا والفصام والاكتئاب والتوهم المرضي، في حين يعرض في الفصل الثالث أنماط الشخصيات من منظور علاقتها بالألم، كالشخصية القهرية والشخصية الهستيرية والشخصية القلقة. أما الفصل الرابع فيوضح فيه ماهية الأمراض النفسجسمية متطرقاً إلى الآلام المصاحبة لها، كالصداع والروماتيزم وآلام الوجه وآلام أسفل الظهر، بينما يخص الفصل الخامس للمرأة وللحديث عن آلامها كأنثى وكأم، وعن آلامها المرتبطة بطفلها تحديداً وقد أسماها بـ (المحيّرة). وقبل الختام، يُفرد المؤلف الفصل السادس لطرق العلاج، ومن ثم يختم حديثه في الفصل السابع عن معنى الحياة، وكيف أن الحياة بلا ألم إنما هي حياة بلا معنى. أو بمفردة واحدة هي (الموت). تعتمد هذه المراجعة على الطبعة الثانية للكتاب الصادرة عام 2015 عن دار الصحوة للنشر والتوزيع، وتستلهم من كنوز المؤلف المعرفية ما يبعث على الأمل، وتقتبس منها نزراً يسيراً بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي: المخ مركز الإحساس بالألم، وبدونه لا شعور للألم. وكأنه سيد الأعضاء! على الرغم من أن المخ لو قُطع بسكين لما شعر الإنسان بشيء، «ومن العجيب أن نعرف بعد ذلك أن المخ هو الذي يدرك الألم الصادر عن أي مكان في الجسم». ومن العجيب كذلك أن يتم إدراك الألم في عضو ما دونما أي استثارة لنهاياته العصبية، فقد يسمع إنسان ما صوت جرس دون وجود جرس حقيقي، كما يستشعر مريض ما ألماً في رجله رغم بترها. إذاً، إن للعقل دورا حيويا عندما يتدخل ليجعل من الألم (عملية وجدانية). إما أن يستشعر الألم ويضخمه، أو أن يستبدله بشيء من الرضا والمرح، وكل هذا يعتمد في الأساس على استعداد الإنسان وانفعالاته وتوقعاته وتاريخه مع الألم. عليه، لا بد أن يتعاطف الإنسان مع ألمه، فينحاز أو يميل، إذ أن حيادية المشاعر تعني التبلد. تعني الموت، ولا يصاب بهذه الحيادية إلا المريض العقلي. إن المسار الحقيقي للألم يبدأ من العقل وينتهي في الجسد. من الوجدان إلى العضو، إما حقيقة أو وهماً. وقد تكثر الأوهام وقد يتمسك بها المريض طالما أنها تحقق له منفعة ما، وقد نكون فعلاً نحتاج لآلامنا! من هذه الحقيقة يرى المؤلف أن الألم يرتبط وبقوة بالحب، فقد يحتاج إنسان ما لحظة موته إلى الحب، فيبث عقله ألماً إلى جسده فوراً، فينادي على من يحب ليحصل على آخر جرعة حب. الألم هو النداء، وهو استعادة لخبرة حب أو لحظة حب أو موقف حب. وقد يموت شريك عمره أو رفيقه العزيز، فتزوره آلام في نفس الأعضاء التي تألم منها شريكه، كنوع من التعبير عن الأسى!.