10 سبتمبر 2025

تسجيل

ولدى كريشان تفاصيل لم تُبث {2-3}

25 يوليو 2024

... نواصل الحديث حول كتاب «محمد كريشان يروي: وإليكم التفاصيل» لمؤلفه/ محمد كريشان. ومن أطرف ما يتذكره الإعلامي في الفصل الثاني (وبدأت الهجرة)، زميلهم الذي صاحبهم من لندن وقد عاش لعدة سنوات من قبل في قطر، والذي خبر تلك العجمة التي تشوب لغة الهنود المعرّبة وهم يشكلون جالية كبيرة في البلد، إذ ما كان منه إلا أن أعدّ قاموساً مصغراً لتلك الألفاظ المبهمة ومرادفاتها، لمساعدة زملائه الجدد، وأسماه «معجم مفيد عشان نفر جديد». أما «قراءة النوايا القطرية في إطلاق مشروع إخباري»، و (الصداع الكبير) الذي تنبأ به السفير الأمريكي في قطر -إذا صدق القطريون- وأسرّه به، فقد صدق.. إلا أن على قدر ما تسببت به تلك القناة من تصدّع لأدمغة مؤسسات عربية رسمية، فقد أخذت بقلوب شعوبها، حين تبنت همومهم وأزماتهم وحرياتهم، وتصدت للوقائع لا لتبثّها وحسب، بل لتشبعها تمحيصاً وتحليلاً وتشهيراً، وتجعل منها قضية رأي عام «جديرة بالمتابعة». أما في (الفصل الثالث: العراق: زيارات ومطبات)، فيغالب الإعلامي دمعه حين تعرّف بعد مرور الأعوام على مواطنه التونسي الذي عاد إلى بلاده في نعش، وقد لاقاه في عراق السبعينات كطالب مستجد في القانون، وكانت نصيحته سبباً في عودته لبلاده ودراسة الصحافة هناك. لا يلبث الإعلامي حتى يعود إلى بغداد من جديد بعد مغادرتها، في بعثة صيفية قصيرة يحظى بها كطالب متفوق، فيزور المصانع والمكتبات والأسواق والمؤسسات الصحفية والمقامات الدينية، والعراق في أوج نهضته الاقتصادية، غير أن أحد الباعة يحذّره من ذكر اسم الشاعر (مظفر النواب) وهو معارض سياسي، وقد أراد الحصول على أحد دواوينه! ثم يزور العراق في الألفية الثالثة كصحفي، فيلتقي بالطبيب والرسام (علاء بشير) وشهرته (بيكاسو العرب) لتسجيل برنامج (ضيف وحلقة) وقد نهب الأمريكيون بيته بعد هجرته.. ووزير الإعلام (سعيد الصحاف) صاحب (العلوج) الذي صرّح في ختام لقائه عن حماقة أي عمل عدواني يعقب التهديد الأمريكي بالهجوم الوشيك على العراق، وقد تم في صبيحة العشرين من مارس عام 2003 حين كان الإعلامي قد غادر العراق قبلها بيومين فقط! لا يلبث حتى يعود وطاقم إعلامي إلى بغداد بعد سقوطها بأسبوع، لتصوير برنامج (العراق ما بعد الحرب)، فيتخذون من فيلا القائم بالأعمال القطري سكناً مريحاً وموقعاً للتصوير، وقد قيل إنها تعود لإحدى أميرات العهد الملكي. وهناك، يجن جنون المسئولين الأمريكيين لتغطية القناة وقائع الحرب. غير أن كرم العراقيين وحسن ضيافتهم رغم صعوبة الأوضاع، قد كان خير معين لهم، وقد دأبوا على ابتدار استضافتهم بالماء كتقليد شعبي موروث ارتبط بواقعة عطش الإمام الحسين قبل مقتله! وفي (الفصل الرابع: فلسطين: المهنة والوجع)، يلتقي الإعلامي برئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) في الدوحة، شخصياً لا رسمياً، وذلك لأسباب تعود لغضبه على القناة التي وجدها منحازة لحركة حماس ضد السلطة، إلا أن الإعلامي كان يستمتع بحضور جلسات (البرلمان الفلسطيني في المنفى) التي كانت تشهد اجتماع كافة الفصائل على خلافاتها التي قد تأتي من داخل الفصيل نفسه، مع حدة الكلام المتبادل وجدية الأفكار المطروحة «بل والغضب الساطع أحياناً». لا يستنكف الإعلامي عن زيارة فلسطين -لا سيما وبتأشيرة إسرائيلية- تحت وطأة التوجهات المعارضة لزيارتها وهي رهن الاحتلال، لا لأسباب مهنية وحسب كما يحتج، بل لدعوة الفلسطينيين أنفسهم وهم يقولون قولاً حكيما: «عندما ترفض أن تزورنا هنا ونحن تحت الاحتلال فأنت تعاقبنا مع أنك تحبنا! أنت كمن يرفض زيارة قريب له في السجن لأن لديه موقفاً من السجان الذي يستنكف أن يكون تصريح الزيارة بيديه، والنتيجة أن قريبك سيظل قابعاً وراء القضبان دون أن يخفف من كربته أحد». وفي حين يضطر الإعلامي لإنهاء إجراءات التأشيرة بنفسه داخل سفارة إسرائيل في العاصمة الأردنية، يدور بينه وبين أحد الدبلوماسيين الذي كان بانتظاره حديث، وقد علم أنه المذيع الذي حاور رئيس وزرائهم السابق (إيهود باراك) من خلال القناة التي ما برحت تسبب لهم صداعاً، وهو الذي ينهي حديثه معه بوعيد «ستواجهون في المستقبل فلسطينيين آخرين لا قبل لكم بهم أبداً»، وذلك حين يصل الفلسطينيون الحاليون إلى قناعة بعدم جدوى التسويات معهم، ورغم كل ما يُطرح عليهم وفق القانون الدولي! حينها ينتفض ذلك الديبلوماسي ليسأل سؤالاً مباشراً يفصح عن اضطراب رهابي مركب: «تقصد حماس؟»، فيكون الرد المباشر أيضاً: «لا! هم أقسى عليكم بكثير من حماس وممن سبقها. لست قادراً على تحديد هويتهم لكن هم بالتأكيد قوم لم يسبق لكم التعامل مع أمثالهم». وبعيداً عن هذا الديبلوماسي الرعديد، يلتقي الإعلامي بأحد أصدقائه الذي يقلّب عليه أوجاعاً عربية وهو يسأله: «هل تدري أنه حتى بعد حرب 1967 وقبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان بإمكانك أن تستقل سيارتك من عمان وتذهب لتناول العشاء في رام الله أو القدس ثم تعود، فكلتاهما لا تبعد عن العاصمة الأردنية سوى سبعين كيلومتراً، وتصلهما دون حواجز إسرائيلية ولا تفتيش ولا تنغيص؛ بل وبإمكانك أن تذهب لشواطئ يافا وحيفا كذلك.. لكن ذلك زمن ولى ومضى».