20 سبتمبر 2025

تسجيل

روسيا وحصاد الوهم في سوريا

28 سبتمبر 2021

تدخل بعد ثلاثة أيام الذكرى السنوية السادسة للاحتلال الروسي لسوريا، هذا الاحتلال الذي حدده الرئيس فلاديمير بوتين بثلاثة أشهر فقط، أملاً في استعادة مناطق الثورة لصالح بشار الأسد، لكن ها نحن اليوم سندخل العام السابع للاحتلال الروسي، ولا تزال أكثر من ثلث الأراضي السورية خارج سيطرة الاحتلال، بل لا تزال تنافسه في سوريا أربعُ قوى أخرى إقليمية ودولية، مما يجعله يغرق سياسياً في سوريا، إذ لا فرقَ كبيراً بين الغرق السياسي والغرق العسكري، وربما يخالفني الكثير في العنوان وفيما أذهب إليه، ولكن ما زلت مُصراً على أن الغرق السياسي لا يختلف عن الغرق العسكري. كانت روسيا تظن أنها بتدخلها في سوريا، ستحسم المعركة لصالح ذيلها خلال أشهر، فمُنحت شيكاً دولياً وإقليمياً على بياض، بل حظيت بدعم لا محدود من أجل انتزاع أراضي الثورة، وجرّبت أكثر من 325 سلاحاً جديداً، كما قال وزير الدفاع الروسي، ومعه توعد الروس بأن تغدو سوريا مختبراً وحقل رماية لأسلحتهم وتدريب جيشهم، ولكن مع هذا لم تتمكن حتى اليوم من حسم المسألة سياسياً، فلا يزال فرض بشار الأسد على الشعب السوري وهماً سياسياً، وهو الذي صوّت أكثر من 14 مليون بأقدامهم ضده وضد أسياده المحتلين، فآثر المهجرون حياة الشتات ومخيمات الغربة على البقاء تحت عباءة الاحتلال والعصابة الطائفية المجرمة. تُمني نفسها روسيا بالسيطرة على بعض الجغرافيا، ولكنها خسرت معها جغرافية قلوب السوريين وعقولهم، وخسرت معها عقول العرب والمسلمين، نتيجة مجازرها اليومية في سوريا، فحالة الاستنزاف الروسية تتواصل على مستوى العلاقات الدولية والإسلامية، فضلاً عن استنزاف اقتصادي حقيقي يومي لست سنوات، وليس ثمة ضوء في نفق سياسي مظلم دخلته روسيا في سوريا، والأسوأ من ذلك كله هو النزيف الذي تتعرض له وسط حاضنة الفئة المقربة المسيطرة على السلطة نتيجة الحياة الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعيشها، مقارنة بالحياة التي تعيشها المناطق المحررة، فلا وقود، ولا كهرباء ولا رواتب تكفي لسدّ الرمق في المناطق المحتلة، الأمر الذي خلق حالة تمرد حقيقية انعكست في مظاهرات، وحالات توتر اجتماعي يومي، صاحبه تدفق الآلاف على مقر الهجرة والجوازات للحصول على وثائق سفر للخروج من البلد الذي لم يعد صالحاً للسكن بحسب كل من حالفه الحظ وغادر. مقابل هذا النزيف الروسي لم يبق أمام موسكو إلا اللعبة المفضلة، لعبة قمار القصف العسكري، فتواصل قصفها الأهالي، وتنقض اتفاقياتها مع تركيا، والنتيجة الغوص أكثر فأكثر في الوحل السياسي السوري، ومعه الوحل السياسي المنطقوي، فهي تدرك أكثر من غيرها أن الأسد وعصابته لا يمكن تسويقهم للشعب السوري، ولا للمنطقة والعالم، والبديل عنه مهما كان موالياً لموسكو لن يعوّضها ما ارتكبته من جرائم ومجازر بحق السوريين، الذين يرون أن سبب معاناتهم الحقيقية طوال تلك السنوات روسيا. بعد غد سليتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقد استبقها الأخير كالعادة بوليمة من دماء السوريين، فبعد أن كان وزير خارجيته لافروف يتحدث عن بؤرة إدلب الإرهابية كما وصفها، كانت طائراته تغير على مناطق محمية من قبل شريكه التركي في عفرين وتقتل 11 من جنود الحمزات حلفاء تركيا، الأمر الذي أكّد مجدداً بأن كل من يخرج على الأسد بنظر موسكو إرهابي، لا فرق بين درعا وإدلب وحمص وعفرين ومناطق الأكراد. المكوك الروسي يواصل تحركاته السياسية نفسها منذ ست سنوات بين مناطق الأكراد، وتركيا ودول الجوار، أما تحركاته على الأرض السورية فهي المعتادة من جرائم وقصف ومجازر، ومع هذا لا يزال الروسي يعيش حالة انعدام الوزن السياسي، فسوريا لن تكون من صالحه أبداً، ولعل انشغاله اليوم بالجبهة الأفغانية بعد الفراغ الذي خلّفه رحيل القوات الأمريكية والغربية، سيحدّ من تحركاته، وفي حال حصول الانسحاب الأمريكي من العراق وسوريا فإن المنطقة ستشهد فراغاً أكبر، ربما يساعد الثورة وحلفاءها على النفاذ من الصدوع والشقوق الجديدة، مما سيضع الروسي أمام تحديات جديدة، تكبر وتتوسع معها جغرافية تحدياته من أفغانستان إلى سوريا ما بعد الانسحاب الأمريكي، ينضاف إليها انشغال حليفه الإقليمي إيران اليوم بالفراغ الأفغاني، والعراقي مع انسحاب الأمريكي، فضلاً عن انشغال حليفه المليشياوي حزب الله بالداخل اللبناني اليوم مع الانهيارات اللبنانية التي نشهدها، والتي يبدو أن كرة ثلجها ستكبر.