10 سبتمبر 2025
تسجيلخاطب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر العالم عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين من نيويورك. كان خطابا مميزا مثل خطاباته الثلاثة الماضية في ذات المناسبة لكنه اختلف بالمضمون. في الأعوام الماضية كان خطابه يتناول القضايا التي تسعى للنيل من دولة قطر وسيادتها، وبمهارة دبلوماسية عالية المستوى وصبر وحكمة العظماء في التاريخ استطاع التغلب على كل المخاطر التي كانت تحيط بدولة قطر وشعبها. وقد نجحت تلك الدبلوماسية "الدبلوماسية الهادئة" في حل أي نزاع مع قطر عن طريق التفاوض والحوار البناء، مشيرا إلى إعلان "العلا"، والذي كان ثمرة جهود قطرية سعودية للخروج من المأزق الذي عاشته مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي. (2) في خطابه المشار إليه راح سموه يستعرض أهمية حل النزاعات، وخاصة تلك النزاعات التي تعتصر الشرق الأوسط (سورية، فلسطين، اليمن، التسلح النووي الإيراني)، وكيفية التوصل الى حلول جذرية لتلك النزاعات التي أشغلت المنطقة واستنزفتها على كل الصعد، بما يحقق الأمن والاستقرار والحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها. و أكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالحوار بين الأطراف المشتبكة في أي خلاف كان. كان كلام سموه والمفردات المستخدمة في خطابه تسير في معراج دبلوماسية قطر المتبعة في محاولة حل كل الأزمات الخليجية والإقليمية، سواء كان ذلك في جهود دبلوماسية قطر في تثبيت "الهدنة" في غزة بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل أو ماراثون أفغانستان والذي تكلل بالنجاح لمعظم أطراف الصراع هناك، فالأمريكان وحلفاؤهم تم انسحابهم من أفغانستان بسلام، وعادة حركة طالبان لتتولى مقاليد الأمور في بلادهم. لقد أشار الشيخ تميم في خطابه أمام الجمعية العامة إلى الدور الذي قامت به قطر في إكمال الانسحاب الأمريكي والاتفاق الذي وقع بين واشنطن وحركة طالبان في الدوحة والجهود الكبيرة والمتميزة التي قامت بها قطر في تنفيذ أكبر عملية إجلاء في التاريخ المعاصر، كما قال بذلك نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني. إنه لم يكتفِ بما أنجزت الدبلوماسية القطرية في أفغانستان، بل راح يناشد العالم بمد يد العون والمساعدة للشعب الأفغاني، وأن لا تكون مساعدة وإغاثة الشعب مرتبطة بأي موقف سياسي، وكأني به يقول: على العالم أن لا يترك حكومة طالبان تواجه الأزمات الأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية بمفردها.. على المجتمع الدولي أن يأخذ بيد حكومة طالبان نحو ترسيخ قواعد الأمن والاستقرار، ولن يتم ذلك عن طريق العزل والاستعداء للنظام القائم اليوم في كابول. (3) لقد تناول سمو الأمير الشيخ تميم في خطابه الوضع العربي، وعلى رأس هذا الوضع يأتي الهم الفلسطيني وما يتعرض له أهل فلسطين في غزة من عدوان مستمر من قبل إسرائيل، وحصار ظالم أثر على حياة الإنسان وما يجري في القدس من هدم المنازل واقتحام المدن من قبل القوى العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وما يحدث في حي الشيخ جراح وغيره من قبل إسرائيل، ومحاولة تهجير المواطنين الفلسطينيين من قراهم وأحيائهم ليحل محلهم مستوطنون قادمون عبر البحار وناشد العالم قائلا: "إن على المجتمع الدولي تحقيق تسوية سلمية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية. وفي الأوضاع اليمنية أكد أنه لا خروج من هذه الأزمة إلا عن طريق التفاوض اليمني/ اليمني على قاعدة مخرجات الحوار الوطني اليمني الذي تم التوافق عليه في عام 2014 والذي ضم 565 عضوا مقسمين كما يلي (50% ممثلين عن المحافظات الحنوبية، 30% من النساء على مستوى اليمن، 20% من الشباب في كل ربوع اليمن)، والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار رقم 2216. ومن بين بنود القرار الأممي مطالبة الحوثيين بالكف عن اللجوء إلى العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها بالقوة بما في ذلك صنعاء، وكذلك الكف عن أي أعمال تعتبر من مهام سلطة الحكومة اليمنية الشرعية، والكف عن تجنيد أطفال للأعمال القتالية، إلى جانب أمور أخرى ذكرت في القرار آنف الذكر. القضية الفلسطينية في خطاب الأمير، أكد أن حجر الزاوية لحل هذه المسألة هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن البعض يعمل جاهدا لتهميش القضية الفلسطينية على جدول أعمال المنظمة الدولية، وهناك من يحاول الالتفاف على قضية وطنية عميقة الجذور ويطرح أفكارا مثل الدعوة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بدلا من العمل على إزالة الاحتلال. وكأني بسموه يريد القول، إن عمليات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي قامت به بعض الدول العربية مؤخرا غير مجد ولا يمكن التعويل على ذلك، وإنما الحل هو إزالة الاحتلال من جذورة. ولم ينسَ سموه حال الشعب السوري العظيم؛ فدعى إلى عدم إهمال أو التغاضي عن ما يجري للشعب السوري العظيم من مآسٍ، وناشد المجتمع الدولي للتضامن ومضاعفة الجهود من أجل إنهاء هذه الأزمة عبر الحلول السلمية وفقا لاتفاق جنيف (واحد)، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 والمحافظة على وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها. وفي المسألة الليبية فقد أشاد بالخطوات التي أدت الى وقف إطلاق النار وانعقاد مؤتمرالمنتدى السياسي الليبي وصولا إلى انتخاب ممثلي السلطة التنفيذية الموقتة، وناشد كل الأطراف الليبية المحافظة على الإنجازات التي تمت والبناء عليها من أجل الشعب الليبي الشقيق. (4) منذ أن تولى الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد القيادة في الدولة، أولى الأمم المتحدة اهتماما خاصا، فكرّس التعاون والتكامل مع المنظمة الدولية، وقدم دعما لصناديق وبرامج الأمم المتحدة بكل الوسائل، وتم إنشاء أربعة مكاتب جديدة للأمم المتحدة في الدوحة، وقدم مبادرة لإنشاء منظمة دولية تعنى بمسائل الأراضي الجافة، وفي الدورة ال 76 لانعقاد الجمعية العامة في نيويورك هذا العام تقدم سمو الأمير بمبادرة دعا فيها لإنشاء "بيت الأمم المتحدة" يكون مقره الدوحة بعد أن أصبحت عاصمة العمل الدولي متعدد الأطراف في منطقة الشرق الأوسط. آخر القول: لقد كان خطابا جامعا شاملا يليق بأن تكون الدوحة عاصمة الدلبوماسية العالمية متعددة الأطراف. [email protected]