12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإشباع الروحى فى التعليم .. 3

28 سبتمبر 2015

من المسلم به أن قضية التعليم وتطويره فى أى دولة أصبحت قضية أمن قومى .. وأن بداية أى إصلاح لن يتحقق إلا عن طريق تطوير التعليم على أسس سليمة .. وعطفا على ما تناولناه فى مقالينا السابقين عن التعليم والإشباع الروحى فإنه من دواعى سرورنا أن نتحدث فى هذا المقال عن دور المدرسة ومهمتها فى المجتمع الحديث والتى إتفق علماء التربية على أنها تنحصر فى نقطتين أساسيتين : الأولى هى نقل المعرفة .. بمعنى تبسيط نظريات العلوم المختلفة وشرحها وما سبق للبشرية تلقيه من علوم مثل الفيزياء والتاريخ واللغات المختلفة .. وهذه المهمة برغم أهمية دور المدرسة فى توصيلها للطالب إلا أنه – أى الطالب – يمكنه الإستعانة بوسائل أخرى مثل الشرائط والكتب والإنترنت .. ومن الممكن أن تغنيه هذه الوسائل عن المدرسة فى بعض الحالات التى تتطلب ذلك مثل المرض أو الإعاقة أو التواجد فى الأماكن النائية وغيرها . أما النقطة الثانية فهى التنشئة الإجتماعية والتى توفر تدريب الطلبة على العيش مع الآخرين والحقوق والواجبات والمواطنة الصالحة والشعور بالإنتماء للوطن .. وهذا لا يمكن تحقيقه فى أى مكان آخر غير المدرسة بأى حال من الأحوال مهما كانت الوسائل المتاحة .. وذلك للأسباب الآتية : - هذه الممارسات تحمل فى طياتها القيم والأخلاق اللازمة للتماسك الإجتماعى وهو ما يمكن أن نطلق عليه " التربية الأخلاقية الضمنية " . - المدرسة هى المكان الأول فى المجتمع الذى يؤهل الأجيال الجديدة للمواطنة الصالحة والإنتماء إلى الوطن وهى أمور لا يمكن تحقيقها من خلال التلقين أو الكتب المقررة ولكن من خلال الممارسات التربوية ذاتها كما أسلفنا . - المدرسة لا تنقل للتلميذ مجرد معارف مثل تلك الموجودة فى الكتب أو الشرائط أو الإنترنت – برغم إقرارنا التام بأهمية تلك المصادر – ولكن ينبغى أن يكون تقديم هذه المعارف للتلميذ بطريقة تترك له مجالا للتعبير عن رأيه الخاص الأمر الذى يرسخ فكرة النقد .. وهى الخطوة الأولى والمقدمة الضرورية لأى إصلاح فى أى مجتمع . - فى المدرسة يتوفر عدم التمييز ومكافأة الجهد فضلا عن التدريب على النقد . - داخل المدرسة يكون هناك حرص دائم على توفير مناخ الإنضباط دون تمييز أو محاباة مما يعمل على أن يترسخ فى الأذهان فكرة مساواة الجميع أمام القانون وهو ما يمكن ألا يتحقق فى غيرها من الأماكن بما فى ذلك الأسرة نفسها مثل تفضيل البنين على البنات ومنحهم مجالات أوسع للحرية .. أو تدليل الإبن الأصغر .. إلى آخر تلك الأخطاء التى قد توجد فى كثير من مجتمعاتنا الشرقية .. فى الوقت الذى يصعب فيه حدوث ذلك فى المدرسة . داخل المدرسة أيضا هناك المعلم الذى يجب أن يقوم بكل ما نصبو إليه من تطور وتقدم وسأوجز وجهة نظرى فى نقطتين غاية فى الأهمية : الأولى أن يكون هناك تدريب دائم ومستمر لكل المعلمين ووضعهم على مسار التطور بالتعاون مع الجامعات المحلية سواء بالتواجد فى الجامعات بإستمرار فى مواقيت محددة أو تكليف العلماء الكبار فى هذه الجامعات بالذهاب إلى حيث يتواجد المعلمون وتدريبهم على الجديد فى طرق التدريس وإمدادهم بالمراجع والكتب اللازمة لذلك .. فضلا عن أن توفر الدول البعثات المختلفة لكبريات الجامعات فى العالم ويجب بالطبع أن يتضمن برنامج أى بعثة زيارات للمدارس بمراحلها المختلفة . والنقطة الثانية وهى فى غاية الأهمية وبدونها لن تتحقق نتائج ملموسة وهى ضمان مستوى معيشى لائق ومحترم للمعلم حتى يكون كل تركيزه فى العمل وتحقيق أفضل النتائج بدلا من التفكير فى كيفية تدبير موارده المعيشية .. ذلك بالإضافة إلى تقنين أوضاع المعلم الوظيفية حتى يأمن على نفسه ومستقبله . وفى النهاية نوجز المبتغى فى نقاط ثلاث : 1- مكان لائق ومجهز للعملية التعليمية . 2- مناهج تواكب التقدم ومتطلبات العصر . 3- معلم ماهر ومدرب للقيام بالمهمة المنوط بها وآمن على نفسه . ونحن نضع كل هذا أمام حكومات بلداننا العربية ونأمل أن نكون بذلك قد أوقدنا شمعة بسيطة فى النهضة بالمواطن العربى . وإلى موضوع جديد ومقالنا القادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين [email protected]