13 سبتمبر 2025
تسجيلفي البدء وضع الورقة على طاولته ممسكاً بيده القلم، ومنتظراً هبوط جنود الكلمات في مطار دفتره...لم تواتيه أية عبارة تعبر به حول محيطات الأفكار، فتخلق له قصة أو رواية...بطلها رجل ... أحب امرأة... وأبى الزمن إلا أن يتفرقا... أو غريق أنقذه غريب بعد أن تجلّت أمامه المخاطر بصورتها القبيحة وتلاعبت به أمواج البحر الغادر...هو يبحث عن ثمة بداية... بالرغم من معرفته بالنهاية، خاتماً قوله بـشيء من الهذيان المكتوب بخط يده اختصاره: " سيصمت العالم وستبقى حروفي خالدة للأبد، سأموت وسيبعثني الله بحروفي فيحاسبني على ما خطه قلمي وما كتبت... ولكنه سيحاسبكم أيضاً على ما فعلتم بي "... هذه هي سائر الحكاية فهو سجين الكلمة!لم يترك قهوة إلا تجرعها لتسهره مع نجوم الليل المنعكسة على دفتره....عقارب الساعة تسير بهوادة لترغمه على النوم بصوتها الوديع...فهو يحلم بأن يصبح جسده مشروع شجرة، أوراقها الخضراء مجموعة حروف، وجذعها ثلة من الكلمات وثمارها رواية مُرّكبة!يظن أن قلمه مكسور الجناح ولا يشعر به أحد من البشر، وأن طيور السماء حاولت أن تمده بأجنحتها وتداويه بريشها المتطاير في الأفق فيشكي إليها النشيج الذي بداخله، والخلجات المكتنزة في حلقه والتي تكاد تخنقه، والطيور تراه بصمت ، فتتركه يبيت في أعشاشها أيام معدودة ليستعيد فيها صحته، ويحين وقت سماع صرير القلم وهو يُطنب في سرد الحكايات دون توقف!لم يعلم بأنه من الصعب أن يستحضر الكلمة دون أن يتورط بماضيها...أو يقف أمام طابوراً من الكلمات والعبارات التي تحتاج إلى وقت طويل لاستعادة ترتيبها...لم يدرك أنه لكي يملأ صفحة واحدة عليه أن يتحلى بشيء من الاِصْطِبَار والجلادة...فحينما يقف أمام حروفه فهو يعيش حينها في عالم افتراضي يصنع بها روايته وأبطاله فيتفنن في تنظيم حواراتهم، وأين يعيشون... وما الذي يكنونه في نفوسهم... وبأي نية هم يفعلون ما يفعلون ، وبأمره تنتهي تلك الحكاية وتأخذ كل شخصية نصيبها من السعادة والتعاسة... وكل ظالم يتجرع ممما اقترفته يداه... وأما بطل الحكاية فهو الضحية... فعليه أن يتحمل... وأن يواجه... وأن يسامح... وأن يُصبح مثالياً بقليل من الأخطاء والعثرات والأطماع الشخصية التي يندم عليها في نهاية الرواية..يتحسس صاحب القلم الشجرة التي زُرعت بداخله... يتطمئن على وريقاتها الخضراء... وعلى جذعها الصلب... وأغصانها التي تتردد عليها السناجب لكي تسرق ثمار الكلمات وتدفنها بعيداً لتعود إليها مجدداً فتستخدمها حسب مصلحتها المكبوتة... ذلك هو الكاتب وتلك هي الكتابة!