20 سبتمبر 2025
تسجيللا يبدي النظام السوري أي تغير أو تحول إيجابي في مواقفه حتى الآن تجاه الاحتجاجات السلمية والتظاهرات في الشارع منذ ما يزيد على ستة أشهر، مما يرجح أن تكون الثورة السورية وفقا لملاحظات كثير من المراقبين الأكثر دموية والأطول أمدا بين الثورات التي نجحت، أو التي لا تزال تواصل نضالها على هذه الطريق. فالنظام السوري ما فتئ منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات يواجهها بالحديد والنار، والعنف المفرط والوحشية المتزايدة التي تتكشف يوما بعد يوم، ولن يكون آخرها قصة زينب الحصني، معتقدا أنّ ما يقوم به هو الحل الناجع لوقف الاحتجاجات، والقضاء عليها قضاء مبرما، بعيدا عن الشروع في أي حل سياسي حقيقي وجاد، ولا يزال يقدّم ما يحصل في وسائل إعلامه على أنه مؤامرة خارجية تستهدفه باعتباره دولة مواجهة وممانعة، وأنه يتصدى لحثالة من العصابات المسلحة، ليشوه بذلك الوجه السلمي للمواطنين في الشارع، ويربطها بتيارات إسلامية كالإخوان المسلمين والتيار السلفي تارة، ليستدر عطف الغرب المناهض للقاعدة خصوصا والجماعات الإسلامية عموما، أو بإسرائيل في محاولة لاستعادة تأييد الشعوب العربية التي كانت مخدوعة لعقود خلت بشعاراته القومية التي يرفعها قبل أن تتعرف على حقيقته، أو ببعض الفرقاء اللبنانيين ليصور الأمر كأنه تصفية حسابات إقليمية تارة أخرى، في تخبط غير خاف. يراهن النظام في استمراره على نفس النهج داخليا ـ كما ما يبدو ـ على أجهزة الأمن التي تدين له بولاء منقطع النظير له، وعلى تماسك جيش لم تحدث فيه سوى انشقاقات هامشية ومحدودة. أما خارجيا فعلى مستوى الدعم يشعر بسند إقليمي له من جانب إيران، وبمساندة دولية من قبل روسيا والصين في مجلس الأمن وغيره، أما على مستوى جبهة الرافضين لمسلكه العنفي فإنه يشعر رغم الضغوط والعقوبات التي تمارس عليه والآخذة بالاتساع بحالة من الطمأنينة، ربما لأنه يشعر أن الانتقادات أو التهديدات الموجهة ضده ما تزال كلامية في شكل تصريحات وبيانات، أو مناشدات، كما هو الحال على المستوى العربي كمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وتركيا، والأمم المتحدة، وأن العقوبات الاقتصادية لا تأثر عليه بشكل مباشر، بقدر على تأثر الشعب، وأنه لا يزال يتلقى دعما من هذه الجهة أو تلك ليظل واقفا على رجليه، وأن حلف شمال الأطلسي لا ينوي التدخل في سوريا رغم رغبة أطراف محدودة من المعارضة بذلك أو رغبة المتظاهرين بتأمين حماية دولية لهم من بطش النظام وانتقامه.. ربما لأن سوريا ليست ليبيا في حساباته الاقتصادية، أو لوجود تعقيدات إقليمية في حساباته العسكرية. ووفقا لهذه الصورة فإن ما يبدو على الأرض من مراوحة للوضع في المكان قد يثير حالة من القنوط من إمكانية زوال هذا النظام، وبخاصة أن النظام ـ كما يتضح ـ يمضي قدما في مخططاته العنيفة على طريقة (يا قاتل أو مقتول)، ويعتبر أن الزمن يصبّ في مصلحته. لكنّ ما لا يدركه النظام حتى الآن، ولا يحسب له حسابه جملة من الحقائق المهمة: ـ حاجز الخوف الذي انكسر عند أجزاء واسعة من الشعب السوري، ويتمثل ذلك بالاستمرار في احتجاجاته النهارية والليلية، واليومية والأسبوعية، والريفية والحضرية، من قبل الصغار والكبار والنساء والرجال والأطفال والشيوخ.. وأن الشعب الثائر لم يعد يعبأ بحجم التضحيات التي يقدمها حتى تتحقق له حريته وكرامته، والذين يشككون في ذلك عليهم قراءة ما يجري في درعا وحماة وحمص ودير الزور وريف دمشق.. رغم كل الاقتحامات وجرائم قوات الأمن والشبيحة، كما أن هذه الجموع تدرك استحالة التوقف عن نضالها السلمي أو الرجوع خطوة إلى الوراء لأن في ذلك حتفها الأكيد. ـ "الظلم مُؤذِن بخراب العمران" ـ كما قال ابن خلدون ـ وهذا من سنن الله والحياة، وبالتالي فإن إمعان النظام في جرائمه البشعة التي فضحتها عدسات التصوير، وحرّكت له سجلات راهنة وسابقة في مجال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كالمجازر الجماعية (في حماة وتدمر، وحماة مرة أو مرات أخرى...) والتعذيب الوحشي ضد المدنيين من الأطفال والنساء (من حمزة الخطيب إلى زينب الحصني وغيرهما كثير) ستكون سببا في تعجيل زوال ملكه وسلطانه، ووضع المسمار الأخير في نعشه، لأن الظلم مرتعه وخيم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. ـ تغير الظروف والأحوال، وتطور الأوضاع، داخليا وخارجيا، ومن المحال الوقوف ضد هذه القوانين، أو الإبقاء على الناس في حالة سكون، أو حبسهم في قوقعة. داخليا: ثمة اتساع لنطاق المعارضة والوعي، وتغير في الأحوال جعل فنانة سورية تتساءل مؤخرا: ما الذي تغير وجعل إخوتنا وأبناءنا الذين كانوا يحملون صور رئيس الجمهورية يتظاهرون ضده ويطالبون برحيله؟! وخارجيا: ثمة روح تسري في الأمة في إطار ربيع التغيير والثورات العربية وأن هذه الروح عابرة للدول والأنظمة، وأن الإعلام المباشر من خلال الفضائيات الإنترنت واليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي صار يفضح ما كان خافيا مستترا، والخطأ الفادح القفز على هذه المتغيرات وما يلوذ بها. وثمة أمور ومتغيرات أخرى.. لكن نقول مرة أخرى قد يكون المشهد السوري أكثر تعقيدا من غيره، بسبب إشكالياته الداخلية والخارجية المعقدة، لكن مسيرة التغيير التي تعّمدت بدماء الشهداء وعذابات الجرحى والمهجرين والمعتقلين وأسرهم محال أن تتوقف قبل أن تنتصر مهما طال الزمن وعزت التضحيات.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".