17 سبتمبر 2025
تسجيلالخيار الوحيد والآمن أمام دولنا الخليجية في عصر اصطدام دور الدولة بنمو مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم ووقوفها أمام تأثيرات دور الدولة السلبي سواء على المستويات البيئية أو الاقتصادية أو حتى الإنسانية هو أن تترك لقوى مجتمعاتها الخليجية المدنية والأهلية فرصة النمو بأقل نسبة من التدخل من جانبها "أي الدولة" أو حيادها تجاه هذه القوى بمعنى آخر. لعل الفترة السابقة كانت استثنائية حيث تم المزج بين الدولة والمجتمع في المنطقة لظروف خاصة باختزال عملية التطور التي عايشتها هذه المجتمعات الى درجة أصبحت الدولة هي المجتمع ولم تصبح أدوات ومؤسسات المجتمع هي ما يحرك الدولة، وبالتالي طمست جوانب عديدة من شخصية هذه المجتمعات ولم يظهر إلا الجانب الاستهلاكي الهش الذي أصبحت الشخصية الخليجية مثلاً بارزاً له بامتياز ومع ذلك فإن إمكانية النمو الذاتي موجودة كما إن القاعدة الأساسية لمثل هذا النمو متوافرة أيضاً. في الوضع الطبيعي يكون التأثير متبادلا بين الدولة والمجتمع لا أن يحل أحدهما مكان الآخر أو أن يلتهم أحدهما الآخر كما أن امتدادات الدولة لا يمكن أن تكون بديلاً عن مؤسسات المجتمع الأهلية حيث إن هذه الامتدادات سواء كانت جمعيات أو نقابات لا تتمتع ولا تتحرك في فضاء حر - لكونها امتدادات لسلطة الدولة - وهو ما يشترط أو ما تتميز به الجمعيات والنقابات الأهلية. إن بذور التحول الديمقراطي الآمن الذي ننشده جميعاً بعيد عن بتر الماضي أو الخصام اللدود مع مراحله التي تعاقبت على هذه المنطقة يتمثل في إفساح المجال أمام إمكانية نمو المجتمع الأهلي الخليجي ذاتياً. بالطبع ليست جميع دول الخليج العربية متساوية فيما يتعلق بدرجة اكتمال مؤسسات المجتمع المدني ولا بدرجة نشاطها ولا بقوة تأثيرها في الرأي العام ولكنها ربما تشترك في تدني سقف مشاركتها الفعلية وموازاتها لدور الدولة ويتضح ذلك من عدم بروز خطابها السياسي والاجتماعي الساعي الى تطوير هذه المجتمعات واقتصار هذا الخطاب على الطابع الخيري. لحل الإشكالية الواضحة اليوم بين تراجع دور الدولة عالمياً واقتصاره على الخدمات الأساسية التي تضمن أمن وسلامة المجتمع وبين ما نشهده من انقضاض من جانب الدولة على دور المجتمع يكمن في ترك إمكانية النمو متاحة لهذا المجتمع والسماح لعناصره الحية بالتشكل والتفاعل.