20 سبتمبر 2025
تسجيلأوجدت أزمة الخليج الراهنة وعياً جديداً لدى المواطن القطري؛ أو بالأحرى أعادت تركيب الوعي، بحيث يُصبح وعياً وطنياً بامتياز يعمل على تأهيل الذات وامتلاك حقائق العصر ومتغيراته ويبني أفقاً جديداً للأسئلة على جميع المستويات. جاءت الأزمة لتخلق وعياً جديداً في العلاقة بين الوطن والمواطنين، بين المجتمع والقيادة، بين أفراد المجتمع بعضهم البعض. جاءت الأزمة لتعيد تركيب الوعي الوطني بحيث يصبح الاعتماد على الذات مصدراً للوجود. جاءت لتزيح عادة الاستهلاك وتحولها إلى إرادة الإنتاج. جاءت لتملأ مساحة الانتظار في نفوسنا إلى خطوات عمل حثيثة، أعادت الأزمة انصهار الوعي في بوتقة واحدة بوتقة الوطن بعيداً عن أي مرجعية أخرى. طرحت الأزمة تساؤلات ثقافية جديدة على المجتمع مثل «إلى أين « وكيف السبيل»؟. لأول مرة يشعر المجتمع أنه يُسيّر قطاره بإرادته وبقوة دفعه، متجاوزاً كل العراقيل التي أوجدها الحصار في طريقه. الأزمات عادة غير مرتبطة فقط بمسؤولية من يحكم، لكنها مسؤولية جميع المنظومات والشرائح في المجتمعات سواء كانت سبباً مباشراً أو كانت مجرد موقف سلبي وانسحابي. لقد كان حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد حفظه الله صادقاً تمام الصدق عندما قال «إن قطر لن تعود إلى مرحلة ما قبل الحصار»، فعلاً لا يمكن أن يعود وعي ما قبل الأزمة. لقد أحدث الحصار كما قلت وعياً جديداً لايمكن تجاوزه والعودة إلى ما مضى. المجتمع القطري يتطلع للمستقبل، منفتحاً على جميع الثقافات، متحرراً من جميع القيود التي تقف أمام حريته وممارسته لإرادته. لأول مرة أشعر بأن المجال العام في قطر ممتلئ بالصحفيين والكُتَّاب والإعلاميين يتحدثون إلى القنوات الدولية بكل حرية يبثون بآرائهم ومقترحاتهم وأفكارهم دونما خوف أو مراقبة أو وجل، وبعض هذه الأفكار قد لا تتفق مع الرؤية الرسمية إلا أنه لا يضير الدولة ولا الحكومة. هذا الوعي بالحرية أوجدته الأزمة، لكن الرهان هو على استمراره وعدم انزلاقه إلى أن يُصبح أزمة بحد ذاته وهو ماتسعى دول الحصار جاهدة إلى تحقيقه من خلال اختلاق الهشتاقات القبلية والطائفية وبث سنابات التفرقة وإثارة النعرات واللعب على وتر القبيلة الممتدة والانزلاق إلى قصائد تمجيد القبيلة وتفضيلها على غيرها من القبائل داخل المجتمع الواحد، وإرجاع المجد إلى فئة دون غيرها، وتسجيل النقاط على أن ذلك إنجاز للقبيلة أو للعائلة على حساب الوطن. يتعرض الوعي الذي أوجدته الأزمة إلى ضغط شديد ليتحول إلى أزمة في الوعي وانشطار في داخله، لذلك يجب الانتباه إلى خطورة ذلك. هناك هجمة شرسة من طرف دول الحصار لتجزئة وعي مجتمعنا الذي أنتجته الأزمة، والذي كان بمثابة انتصار تاريخي في قوة تماسكه وصلابته، وعمل دؤوب لإيجاد أزمة وعي تقوم على ماقبل الوطن من عشائرية وقبلية وطائفية،وفحش أخلاق. أستمع إلى تسجيلات وتغريدات من هنا وهناك بعضها مدسوس وبعضها مغررٌ به تعتمد على الدفع بالقبيلة وبالعائلة وبالأفراد في محاولة كما قلت لتجزئة الوعي الوطني المتحقق... حذار أن يتحول وعي الأزمة إلى أزمة وعي لايمكنهم تحقيق أي نصر سوى أن يتحقق لهم ذلك وإن تحقق لهم ذلك -لاسمح الله - فإن انتصارهم عظيم حتى بعد رفع الحصار لأن أزمة الوعي ذاتها هي أشد أنواع الحصار الذي يمارسه شعباً على نفسه. [email protected]