15 سبتمبر 2025
تسجيلنعلمُ أن الحروب تَجُرّ الويلات على الشعوب، وتُدمّر النفوسَ والزرعَ والضَرع، وتُخلِّفُ كراهيةً وضَغائنَ لأمادٍ طويلة. وقد لا يكون للشعوب دور في الحروب، بل قد تُفرض نتيجةً للخلافات السياسية، والأطماع الشريرة لدى بعض النُظم التي تبلغُ فيها " شهوة" ابتلاع الآخر، أو ضم بلاد أخرى، ذروتها، دونما حق أو مبرر. ولكن ما يؤلم، في وقتنا الحاضر، أن يقوم أفرادٌ يمتَهنون إيذاءَ الآخر، وتنغيصَ حياته، وذلك عبر اختراق الحسابات الإلكترونية، وتعكيرِ حياة الناس وإحراجِهم مع أصدقائهم، بإرسال رسائلِ طلبِ المال. وفي الأسبوع الماضي، نُكبتُ باختراق حسابي ( الواتس آب) من قبل أحد اليائسين البائسين، والمُقتاتين على موائد الآخرين، وقام بإرسال رسائلِ طلب المال من بعض المتواجدين في الحساب من الأصدقاء الأعزاء، كما نُكبَ أكثرُ من صديق نتيجة ذلك الاختراق، فعكّر حياتَهم، وأحرجَهم مع أصدقائهم. وقام المذكور بإرسال رسالة، على أنها من أحد أصدقائي قائلاً، بانه استلم رسالة فيها أرقام، ويُريدني أن أرسل الرسالة التي وصلتني، إليه، كي يتأكد من الرسالة التي وصلته. وتلبية لذلك الطلب، الذي لم يرق إليه الشكُّ، قمتُ بفتح الرسالة، ومنها بدأت رحلة اختراق الحساب. ولقد مرّ حوالي أسبوع، على ذلك الاختراق، دون جدوى، رغم أنني استعنتُ بإدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، التي وجَّهتني لاتّباعِ خطواتِ إعادة الحساب، حتى نشر هذا المقال، لم يرجع الحساب. تصوَّروا كم هي معاناة، أن يفقِد الإنسانُ التواصلَ مع أصدقائه، عبر (الواتس آب)، لمدَّة أسبوع، وتتعطّل حياتهُ الاجتماعية، والتواصل مع الآخرين؛ فلا يستطيع أن يحضر عزاءً أو فرحاً، نتيجةَ عدم استلامه الموقع عبر الخريطة الإلكترونية، ولا يُمكنه إرسال المواضيع والصور إلى الأصدقاء، ولا تبادل المعلومات الخاصة بالبيع والشراء، ولا يمكنهُ التعليق أو تبادل المعلومات السياسية والعلمية والاجتماعية، مع غيره، الأمر الذي يُشكّل شللاً تاماً، نتيجة الاعتماد الكبير على هذا التطبيق. لا يتصوَّر الإنسان، كيف لهذه النوازع الشريرة التي تسكن بعض النفوس المريضة، والتي تُريد أن تَثرى دون عمل، ودون جهد، وتُريد أن تقتات على موائد الآخرين، عبر قرصنةٍ غير مشروعة وغير إنسانية!. هذه النفوس التي يسكُنها الحقدُ على الآخر، وعدم تركه يُمارس حريته في حياته، في أمنٍ وسلام. لقد كبّلتنا التكنولوجيا تكبيلاً حاداً: من تناولنا الطعام، وحتى دراسة الدروس، وكتابة أوراق العمل، وحتى وصلنا إلى شلل أعصابنا وتبلّد عواطفنا، فنَكتفي بإرسال دعوات الزواج، أو كلمات التعازي، عبر هذه الوسائل، فأضحينا ضحايا هذا الأسر، الذي لا فكاكَ منه! ليـأتي أحد الفاشلين، ليتدخّلَ، دونَ حقٍّ، في حياتنا ويُعرّضنا للألم والحَرج، دون أن يعرفنا أو نعرفه. ويُحرجُ أصدقاءَنا معنا، وبعضهم أصحابُ نخوة، ولقد قام أحدُهم بتحويل مبالغَ كبيرةٍ إلى حساب مُخترق لصديق لي. لذا، فإن أية رسالة تأتي، من أي صديق، لا بد وأن يقوم الإنسان بالاتصال الهاتفي، مع صاحب الرسالة، كي يتأكد من صحة الرسالة! وكادَ صديقٌ عزيز أن يرسل ثلاثة آلاف دولار، إلى مُخترِق حسابي، على أنني طلبتها منه، وهو خارج البلد، إلا أنه في الطريق نحو مقر التحويل، اتصل بي، وأعلمتهُ باختراق الحساب، وإنني بخير ولله الحمد. ماذا نفعل إزاء هذه المعضلة، التي تُعكّر حياتنا، وتُحرجنا مع أصدقائنا؟ هل يتوجب على شركة ( الواتس آب) أن تعمل على تفعيل آليةٍ لحماية الحسابات؟ ولو بفرض رسوم قليلة، وهل هذا الإجراء لا يتحققُ إلكترونياً، في ظل هذا الانفجار الإلكتروني والعلمي ؟ هل يمكن أن تقوم شركة الاتصالات المحلية، بالتعاون مع كافة التطبيقات، لوضع حماية لهذه التطبيقات؟ هل نستطيعُ الاستغناءَ عن تطبيق مثل (الواتس آب)، ونقطع تواصلنا مع الآخرين؟ هل يُمكننا تعليم كُلِّ البشر، أساليبَ الحياة العصرية، ونُبعدهم عن شرور أنفسهم، وهم يعيشون حياةً بائسة في بلدانهم المُتخلفة؟ على فكرة، يتردد أنَّ من يقوم بتلك الاختراقات الحالية، هم من بلد عربي جميل، نُكّنُ لأهله كُلَّ الودّ والاحترام!! ولقد تعلّموا " فنَّ" الاختراق، ويعرفون أماكنَ الصرافة في قطر. حيث يذكرون للأصدقاء، مقارَ التحويل المعروفة، ومحلات الصرافة التي تتبع تجاراً قطريين، ويذكرون أسماءَها!؟ هل نتفق على أن نُهمل أية رسالةِ طلب أموالٍ من أي صديق، مهما كانت ظروفه؟ أعتقد أن هذا الحلّ الأخير من أسهل الحلول، فإذا لم يتجاوب عشرة أو عشرون شخصاً مع رسائل (المُخترق) فإنه سوف يَملّ، ويقوم باختراق حساب آخر، وإذا لم يلقَ تجاوباً من أي شخص، فإنه سوف يترك هذه " المهنة الشريرة"، وسيبحث له عن مهنة أخرى، يُلاقي فيها الجزاء المُناسب. لقد مرّ عليّ أسبوع كامل، وأنا في ظلِّ ظروف إنسانية مؤلمة، زادني فيها ذاك (المُخترق) الشرير ألماً وشقاءً، دون حق. وأعتذر لكُلِّ الأصدقاء الذين أزعجَهم ذاك "المخلوق"، الذي لا يحمل أيّاً من صفات الإنسان السَويّ، ولا يستحقُ أن يعيش ضمن المنظومة البشرية! فإلى أين تسير البشرية، وهي تتسربلُ بهذه النوازع الشريرة، ويعيشُ بعضُ " الذئاب" وسطها، تعوي، وتنشبُ مخالبَها في لحْم الآمنين، الكافينَ عن الشر، السائرين نحو مستقبل أبنائِهم وأحفادِهم؟ ولا حول ولا قوة إلاَ بالله العظيم. ◄ هامش: اتصل أحدُهم بصديق لي في واشنطن، كي يحتال عليه، مُنتحلاً شخصية جابي ضرائب. وطلب من الصديق أن يُسدِّد ما عليه، وليست عليه ضرائب، فما كان من صديقي إلا أن قال له: أنا في طريقي إلى مقر عملي في (FBI)، مكتب التحقيق الفيدرالي. فقطع المتصل الخط.