15 سبتمبر 2025

تسجيل

مأزق ترامب

28 أغسطس 2018

تسودُ الرأيَ العام الأمريكي حالةٌ من الارتباك والتوجُس، وينطبق ذلك على الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ، بعد إدانة محاميه الخاص السابق (مايكل كوهين) ومدير حملته الانتخابية السابق (بول مانافورت)، نتيجة اتهامات لهما بالتهرب الضريبي، والاحتيال المصرفي، والتعامل مع شخصيات أجنبية – يُقصد بها روسيا – خلال حملة (ترامب) عام 2016، وما نتج عن تدّخل روسي في الانتخابات الأمريكية، كشفته المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيق الفيدرالي (FBI)، وظهر اسم ( جيمس كومي) مدير الـ (FBI) عندما قيل: إنه تسببَ في هبوط شعبية مُنافسةِ (ترامب) السيدة (هيلاري كلينتون) ، عندما أصدر (كومي) تقريرًا أشارَ إلى احتمالية تورط  السيدة (كلينتون) في مراسلات رسمية قد تضر بالأمن القومي لأمريكا، وعاد بعد ذلك ، ونفى ذلك، واعتذر للسيدة (كلينتون).  الكل يُجمعُ على أن ما قام به (كومي) قد تسببَ في خسارة السيدة (كلينتون) في الانتخابات. وتحوّل (كومي) إلى صديق وفيّ لـ (ترامب)، ودخلت على الخط المُمثلة الإباحية (ستورمي دانيالز) التي ادّعت أن محامي (ترامب) (مايكل كوهين) قد دفع لها أموالًا ضخمة لقاء عدم كشفها علاقاتها مع (ترامب)، قبل الانتخابات ، وهي جريمة في القانون الأمريكي، إلا أن (ترامب) أَنكر تلك العلاقة، ووصفَ المُمثلة بأنها كاذبة ، ثم تراجعَ عن ذلك. ومع مؤتمراته الهوجاء ، ظهر (ترامب) كعدوٍّ للإعلام والإعلاميين، حيث اعترف محاميه (ما يكل كوهين) الأسبوع الماضي أمام محكمة (مانهاتن) في (نيويورك) بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأشار إلى أنه فعلَ ذلك ، بغرضِ التأثير على سير الانتخابات، وأن المرشح الانتخابي (دونالد ترامب) هو الذي أمرَ بذلك، وأقرّ وقتها (الأول) بثماني تُهم جنائية من بينها : الاحتيال المصرفي، والتهرب الضريبي، وانتهاك قوانين تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية.  كما اعترف (كوهين) بدفع أموال لشراء صوتيّ امرأتين ، هما الممثلة الإباحية (ستورمي دانيالز) والموديل في مجلة ( بلاي بوي) (كارين ما كدوغال)، اللتين قيل إنهما أقامتا علاقة مع (ترامب)! وكان مديران تنفيذيان في صحيفة (ناشونال انكوايرر) – التي تُعنى بنشر أخبار الفضائح – قد مُنحا الحصانة من الإدلاء بشهادتيهما حول تورط (ترامب) في قضية دفع أموال لشراء صمت المرأتين. ويرى مراقبون أن إقرار (كوهين) بالتُهم الموجّة إليه قد تُودي به إلى السجن لخمس سنوات، كما أن من شأن هذا الإضرار أن يُغيّر مسارَ بقاء الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض. ويرى قانونيون عدمَ صحة توجيه اتهامات للرئيس الحالي للولايات المتحدة، بارتكاب جريمة ، لكن الدستورَ الأمريكي يسمح للكونغرس بمساءلة وعزل الرئيس إن ثبُتَ ارتكابه جرائمَ ومخالفاتٍ خطيرة. (www.D.W.com.ar). ويخوض (ترامب) حاليًا حربًا مع وزير العدل في حكومته (جيف سيشنز) ، الذي أكد استعداده لمقاومة الضغوط السياسية، من قبل القُضاة حول اتهامه رسميًا، وتشير التقارير إلى أن (ترامب) قد يعزل وزير العدل قريبًا ، في الوقت الذي نفى فيه محامي الرئيس الشخصي ( رودي جولياني) بشكل قاطع احتمال إقالة (ترامب) ، إلا أن وسائل إعلام أمريكية تستحضرُ فضيحةَ (ووترجيت) التي أدّت إلى استقالة الرئيس الأسبق ( ريتشارد نيكسون). من جانبه قال الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) إن التغطية الخاصة بتدخُلات روسية في الانتخابات الأمريكية تغطية كاذبة، ولا يوجد أيُّ دليل على ذلك. وذكرَ (ترامب) في حسابه على (تويتر): " هذه عظمة لانتصار السياسيين في تاريخ أمريكا" ، وأضاف:" أتمنى أن تُغلق هذه المسألة بسرعة". مضيفًا : " كما ذكرت عدة مرات، وخلال التحقيقات، سوف نثبت ما نعرفه، ولا يوجد أيُّ تحالفٍ بين حملتي وبين أية جهة خارجية". ستكون الكلمة الأخيرة لمجلس النواب، الذي يحتاج إلى موافقة  الأغلبية لإدانة (ترامب) وبالتالي عزله؛ وتشكل هذه الأغلبية ثلثي المجلس. أحد كبار المحامين الأمريكيين من المناوئين للرئيس (ترامب) أعلن أنه سوف يواصل إظهار " جرائم" (ترامب) ، لكي يقوم الشعب الأمريكي بوقف الرئيس " غير الشرعي". وقال (ستورمي دانيالز)  "لدي رسالة لـ (دونالد ترامب) ، نحن سنعمل ليل نهار للتأكد من محاسبته". وأضاف: " إن تصرفات (ترامب) - خلال حملته الانتخابية – تجعل منه رئيسًا غير شرعي". وأضاف: " يعتقد (ترامب) ومَن حوله أنه فوق القانون، وهذا يجعل منه رئيسًا غير شرعي، سوف نجمع الحقائق والإثباتات ، ونقدّمها للشعب الأمريكي، والشعب هو الذي سيكون القاضي". يُراهن كثير من العرب على أن عزل (ترامب) أو استقالته، والإتيان برئيس جديد ، عبر انتخابات عامة ، سوف يُغيّر بوصلة الولايات المتحدة تجاه مناطق الصراع والخلافات في العالم، وهذا تصوّر فيه الكثير من التمني، لأن القرارات – في نظام الولايات المتحدة – تحكمها المؤسساتُ الدستورية ، وهنالك ثوابتُ في السياسة الأمريكية لم تتغير منذ توحيد الولايات المتحدة عام 1774. صحيح، عُرف (ترامب) خلال حملته الانتخابية بأنه يُجيد الحديثَ عبر لغة الجسد، وأن يبدو كممثل محترف، ويحملُ صرامة القائد المتوحش، ولكن فوق كلِّ ذلك هو تاجرٌ من الطراز الأول، وهو أول رئيس أمريكي ينقل السفارة الأمريكية إلى (القدس) ، ويتباهى – عبر الشاشات – بتوقيعه ذاك القرار، في تحدٍّ سافر لمشاعر ملايين المسلمين في العالم. كما أنه احتاج لأن يأتي بجديد فيما يتعلق بتواجد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، عندما أعلن " لا حماية دون ثمن"! وقبض من (الرياض) أكثر من 400 مليار دولار، إضافة إلى قيام المملكة العربية السعودية بتمويل جديد لاستثماراتها في أمريكا بقيمة 40 مليار.  (دونالد ترامب) الذي تُقدر ثروته بأربعة مليارات دولار، ناهيك عن الأبراج والممتلكات المادية داخل وخارج الولايات المتحدة ، جعلته أغنى السياسيين في تاريخ الولايات المتحدة . فهل سيُقنع خصومُ (ترامب) الشعبَ الأمريكي، بعدم شرعية تصرفاته – خلال حملته الانتخابية – وبالتالي يقرّ المجلسُ عزله أو إرغامه على الاستقالة؟  أم أن عادةَ الأمريكيين – في حبهم لكل عجيب وغريب ولو كان الرئيس – سوف تضمن بقاءهُ في البيت الأبيض، بقية فترته الرئاسية، ولربما أُعيدَ انتخابهُ لفترة رئاسية ثانية .  كل المؤشرات الجارية في الولايات المتحدة لا تُشير إلى ذلك.