11 سبتمبر 2025

تسجيل

معركة المليار دولار

28 أغسطس 2017

من الأخبار الطريفة التي لا تهم غالبية الزعماء والمسؤولين العرب كأخبار الرياضة والصناعة والتجارة العالمية والتنكولوجيا، ستقتصر القصة على فصل واحد يحبه العرب وهو القتال، فقد أقيمت مباراة ثنائية في "لاس فيغاس" الأمريكية الشهيرة التي يعرفها الكثير من أغنياء العرب الطائشين، حيث التقى بطل العالم الأمريكي السابق في الملاكمة "فلويد ميويزر" 40 عاما، والذي حصل في مباراة اعتزاله السابقة على مبلغ 300 مليون دولار، مع بطل رياضة القتال المختلط، الأيرلندي الأشقر "كونور ماكغريغور" 28 عاما والذي خسر المعركة أمام الأمريكي الأسود ميوزير، وليس هذا الخبر، بل الخبر أن المباراة هي الأغلى، إذ يقدرها المنظمون بمليار دولار. البطل الأيرلندي كان باهلا، أي عاطلا عن العمل قبل سنوات، ويتقاضى معاشا من مؤسسة الإعانات المدنية، ولكنه بدأ بخوض تجربة النزالات المفيدة، وحقق انتصارات جعلت منه نجم حلبات القتال، لينتقل من أرصفة الشوارع إلى القصور ويتنقل بطائرته الخاصة، وسيكسب هذا الأسبوع مبلغا ضخما يدعم به رصيده، ولكنه يبقى خاسرا حين قام بتحدي البطل العجوز ميوزر، ودخل إلى الحلبة مراهنا على قوة عضلاته ولياقة الشباب، فسحقه العجوز بخبرته واحترافيته. ومن لاس فيغاس ننتقل إلى حلبات المصارعة السياسية والعسكرية العربية، ونرى كم يستطيع المليار دولار الصمود أمام خصومه من جماهير الشعوب الفقيرة والمعدمة والعاجزة عن التفكير لثلاثة أيام قادمة، وإذا ضربنا العدد مليار بمائة، سنجد أن مائة مليار دولار لا تستطيع تحقيق أي تنمية في كثير من الدول العربية التي تمتلك أكثر من هذا المبلغ، والسبب أن العشر سنوات الأخيرة كانت مئات المليارات تذهب إلى حلبات الحروب الخاسرة قبل أن تبدأ، ونراها اليوم كيف تنفق على شراء الأسلحة والمقاتلات والذخائر القاتلة التي ستقابل المدنيين أكثر من العسكريين في حلبات القتال الدموي من ليبيا إلى اليمن مرورا بسوريا. أربعون دقيقة حققت في لاس فيغاس "الرياضية" مليار دولار، في المقابل يحبس المسؤولين العرب وحكوماتهم التي باتت في قبضة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشركات الأسلحة، يحبسون أنفاسهم في انتظار رد فعل الشعوب على هذا التبذير والهدر الرهيب للثروات الوطنية في معارك المزاج والرغبات والمناكفات وحب السيطرة والظهور، وكل ذلك فوق جثث آلاف الضعفاء والمساكين والفقراء والمرضى من أبناء الشعوب، وقلما تجد بلدا يهتم بتخصيص جلّ ميزانيته في دعم شبكة الآمان الاجتماعي والتعليم والبحث العلمي والصناعات المتطورة، ثم نجدهم يهاجمون حركات المقاومة والتحرر الوطني، كما يحدث اليوم في فلسطين التي يحاول عملاء ووكلاء إسرائيل تطويع الشعب الفلسطيني عن طريق ضخ ملايين الدولارات في غزة والضفة والمخيمات في لبنان، للانقلاب على الشرعية الوطنية. الأسبوع الماضي تلقت مصر صفعة مالية من الولايات المتحدة، إذ أوقفت واشنطن دفعات بمئات الملايين من الدولارات من مخصصات الإعانة الأمريكية للقاهرة، وذلك بدعوى عدم تحقيق معايير الديمقراطية والحقوق المدنية والانكفاء الرسمي على التصعيد القضائي والملاحقات ضد المعارضة حسب الخارجية الأمريكية، والتعليق على ذلك لو أن دولة بحجم مصر انشغلت بتأهيل الشباب والخريجين وإطلاق الطاقات الجبارة للشباب المصري بدل المعارك السياسية مع الخصوم، وتعلمت من تجارب الدول الإسلامية الكبرى مثل تركيا وماليزيا أو على الأقل عادت لتجربة السادات، لما اضطرت إلى مواجهة ذلك الحرج. إن مشكلة المساعدات الأجنبية للدول العربية والقروض من البنك الدولي تضع الدول العربية في قفص الوصاية للعالم الرأسمالي المتوحش، ولن تكون مشكلة مصر وحدها، فسنرى دولا نفطية أخرى ستدخل القفص إذا لم تتصالح مع واقعها وتوقف هذا الجنون السياسي والمعارك التي حصدت الأرواح ودمرت الثروات، ولم يقتل أحد من الرؤوس الكبيرة المطلوبة، ولم ينتصر أحد على أحد، فقط هم المدنيون والشعوب يعانون ما بين فقر وموت، ولم نشاهد مباراة رياضية واحدة تحقق مليون دولار برعاية رأس الدولة الحامي. [email protected]