23 سبتمبر 2025

تسجيل

سير وذكرى.. من يتعظ !!!

28 يوليو 2019

 لا يقاس الإنسان بما يملك من جاه، ومال، ومركز، ووجاهة اجتماعية أوقبلية؛ كل ذلك متاع الحياة الدنيا تدفن مع رحيله ثم تنطوي صفحته الدنيوية وسيرته، وكأنه لم يكن له وجود، والواقع الملموس يؤكد ذلك سواء ممن عرفناهم أوسمعنا عنهم أوعاشرناهم من القرباء والغرباء أين هم اليوم !! بل أين قارون الذي ملك خزائن الدنيا ماتنوء من حمله الجبال؟، أين من حكموا البشر بسيوفهم ومعتقلاتهم وطغيانهم؟، أين من سكنوا القصور الفارهة وشيدوا الحصون المنيعة وعبثوا بأموال شعوبهم؟.  أين..، وأين..، والتاريخ يسرد لنا ماقبل وما بعد من بشر انطوت صفحاتهم؛ منهم من أصبح في طَي النسيان ومنهم مازالوا يعيشون معنا بآثارهم وحسن صنيعهم بما تَرَكُوا من صفحات بيضاء مثقلة بكلمات الثناء والمدح لسيرهم وأعمالهم،، كمن قال الله عنهم في كتابه: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حِين بإذن ربِّها"، تلك سنة الحياة التي نؤمن بها أليس هو القائل في كتابه: " إنما الحياة الدنيا متاع الغرور".  بالأمس كانت الذكرى الثالثة لرحيل الفنان الملحن عبد العزيز ناصر- رحمه الله - نموذج العطاء والأثر الطيب والسيرة الحسنة الذي رحل عن الدنيا بمرض لم يمهله طويلا، إلا أنه مازال حاضرا أمامنا بألحانه الشجية التي لامست مايحمله فكره وماتحمله مشاعره من قضايا تجاه الوطن والإنسان والقدس والحرية، بكل إخلاص وحب وتفان خلدت ذكراه في كل مناسبة وفِي كل موقف وجعلته أسطورة فنية استثنائية، تحاكي كلماته الإنسان الفقير المهموم والمتألم والمحب بأحاسيس وطنية وإنسانية.. والسلام الأميري الذي نردده في المحافل والمناسبات نموذج للبقاء. بالإضافة إلى مايتمتع به من سيرة أخلاقية عالية، وتعود بِنَا الذاكرة للوراء حين تلوح في ذاكرتنا سيرة وذكرى الراحل رائد العمل الإنساني في أفريقيا وفارس من فرسان العمل الخيري، وومضة من ومضات الدعوة،الشيخ "أبوصهيب " عبد الرحمن السميط - رحمه الله-، الذي عاش ثلاثين عاما  من عمره في أدغال أفريقيا ومازال يحكي تفاصيلها كل أنحاء المجتمع الأفريقي وبالأخص فقرائها حتى أطلق عليه "رجل بأمة ". ولاننسى من قريب الذكرى الطيبة التي خلَّفها الشيخ أحمد بن سيف آل ثاني رجل الدبلوماسية المحنكة من الإطراء من خلال ماذكر في الصحف لما تمتع به من سيرة معطرة بحسن الخلق وطيب المعشر في التعامل مع من عاشره عن قرب في عمله الدبلوماسي، ومن جالسه رقيّ في التعامل والحديث والابتسامة والهدوء نموذج آخر.  وهناك نماذج بشرية أخرى لايسعنا المقال لذكرها، رحلوا عنا بآثار طيبة يعجز القلم عن ذكرها لكنها تبقى في الذاكرة الإنسانية لم ينطفئ بريقها لأعمال خالدة كل في مجاله مدّعمة بقيم وأخلاق عالية لم تشوهها القصور، ولم تجرفها المادة، ولم يعرقلها الجاه والمركز، ولم تدنسها القبلية والنسب. أليس رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن القدوة حمل لواء الدين جاهد وكافح وتحمل وحورب لكن هذا لم يثنيه عن أخلاقه الكريمة في التعامل حتى مع أعدائه التي لو سطرت كتب التاريخ سيرته، وسردت مواقفه وأخلاقه، لشاخت الأقلام وجف حبرها.  وحين نقلب الصفحات الأخرى للتاريخ البشري لاننسى نماذج بشرية بوجوه قبيحة من الأخلاق والمفاسد التي عاثت فسادا حين حكمت، تنفست بدماء شعوبها، ونامت على جثثهم،، سواء الراحلين منهم أو الذين مازالوا أحياء في واقعنا العربي والإسلامي، وجودهم دمار للبشرية، وتشويه للدين والقيم، هؤلاء أي أثر سيبقى بعد رحيلهم وأيّ سيرة سيحملها التاريخ، وذكرى تحملها الأجيال لهم في الغد، فليس للعطاء قيمة ولا للحكم قيمة ولا للوجاهة قيمة ولا للعمل قيمة مادامت مجرّدة من نفحات الخلق الكريم، والسيرة الحسنة التي لاتستطيع أي قوة أن تحطمها فهل نقتدي!! وهل نقتدي بسيرة من رحلوا وكانوا رمزا.  للعطاء الموشّح بالخلق السامي ومازلنا نحتفل بذكراهم ونسرد معانيهم وأعمالهم الطيبة. فما أجمل الذكرى الطيبة والأجمل حين نعاود ذكراها. [email protected]