11 سبتمبر 2025

تسجيل

ما الذي تطارده أمريكا إذا؟

28 يوليو 2015

"إذا نظرتم إلى عدد الأمريكيين الذين قتلوا منذ هجمات 11/9 في عمليات إرهابية، إنهم أقل من 100، إذا نظرتم إلى عدد الذين قتلوا نتيجة العنف المسلح، يقدر عددهم بعشرات الآلاف"... هذه الجملة العابرة والتي كشفت أحد أسرار حروب أمريكا، قالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي، في مقابلة له مع محطة "بي بي سي" البريطانية، وذلك في سياق حديثه عن خيبة أمله بعدم تمكنه من إصلاح قانون السلاح داخل الولايات المتحدة، وهذه المعلومة هي "قنبلة الحقيقة" التي لم يرد أحد أن يسمعها على هذا الكوكب الذي يدعى الأرض، ولم يتوقف عندها أحد من المراقبين، لأن الجميع منشغلون بإحصاء أعداد ضحايا الحروب الفرعية التي فرّختها الحرب على العراق 2003. فإذا كان عدد قتلى الجرائم بالسلاح داخل الولايات المتحدة أكثر فتكا بمئات المرات من "العمليات الإرهابية" حسب المنطق الأمريكي، فماذا كانت تطارد الولايات المتحدة خلال عقد ونصف العقد مضيا على الأراضي العربية والإسلامية، من أفغانستان وباكستان شرقا، إلى العراق فالصومال والسودان واليمن غربا، عدا عن العمليات السريّة وهدر مليارات الدولارات في مطاردة أشباح القاعدة والتنظيمات المتشددة. اليوم يجد الرئيس أوباما نفسه سعيدا بعدما زار أرض أجداده كينيا، والتقى خلالها أفراد عشيرته الصغيرة وبينهم أخته غير الشقيقة وتناول معهم طعام العشاء، ورقص "ليبالا" بمشاركة مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وشارك في مؤتمر عالمي لدعم بيئة الأعمال، واجتمع مع الرئيس الكيني المطارد سابقا من المحكمة الجنائية، ووضع رؤيته لمواجهة خطر الإرهاب في قارة أبيه وجده، وكل هذا يعتبر لدينا شيئا ممتعا وخارجا عن مألوف الزيارات التي يقوم بها رؤوسا الدول أو ملوك ورؤساء العرب الأكثر جدية في ظهورهم خلال الزيارات الرسمية الخارجية، ومع هذا لم يسأل أحد الرئيس الأقوى في العالم، لماذا لا تعلموا العالم الرقص بدل القنص والحروب الدامية. عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن البدء بعملية مطاردة الإرهاب "الإسلامي"، لم يكن حينها قد جلس على مقعد البيت الأبيض أكثر من عام، فيما كانت أساطيل البحرية الأمريكية تجوب محيطات العالم العربي والشرق الأوسط، حيث وضع سلفه الرئيس بيل كلينتون خطة الاستراحة للجيوش الأمريكية، بعد سنوات من حرب بوش الأب على العراق، إذ كانت القواعد والجيوش الأمريكية لا تزال تجوب شواطئ وصحاري العرب، فقرر بوش الابن إكمال ما بدأه والده، فقرر أن حربه على الإرهاب هي حرب مقدسة، وبعدما تورط أكثر أعلنها أكثر أنها "حرب صليبية" ضد التطرف الإسلامي، فقام بغزو أفغانستان وبعدها بسنتين لوى رقبة حربه نحو العراق بدعوى تخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل وجلب الديمقراطية والحرية للشعب العراقي، وكان الثمن العراقي هو نصف مليون قتيل، وها هو بوش الصغير ينعم بتقاعده، فيما شعب العراق لا يزال غارقا بدمائه وخلافه تحت نير الاحتلال الطائفي والمذهبي وحرب المجانين. لقد انتقد العالم الغربي كله الرئيس التركي رجب أردوغان عندما قلل من شأن الاعتراف بمذابح الأرمن زمن الخلافة العثمانية، وهاجمته منظمات غربية ووصفته بأنه غير عادل، ومع أن قضايا الإبادة الجماعية نتيجة الحروب لا ترتبط بالعالم الإسلامي مطلقا، بل إن غالبيتها ارتكبتها الدول الاستعمارية الغربية وعلى رأسها فرنسا أم الحريات الجديدة، فإن أحدا لم يعتذر بشكل رسمي، حتى فرنسا لا تزال تصر على عدم الاعتذار عن قتلها مليونا ونصف المليون جزائري خلال احتلالها للجزائر، ومع هذا لا يجرؤ العرب ولا زعماء العالم الإسلامي على إثارة هذه القضايا. السؤال المهم اليوم، بعد ثلاثين عاما من حروب العالم الإسلامي والعربي والمجازر ضد المسلمين في أفغانستان والصين ودول شرق آسيا، ومجازر البلقان وتحديدا البوسنة منتصف التسعينيات، وآلاف القتلى والضحايا الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبعد التهمة العالمية المسماة "الإرهاب "التي تطارد كل وجه يحمل الملامح العربية، السؤال هو لماذا لا يخرج الراعي الأمريكي الكبير للديمقراطية والحرية السيد أوباما ليعترف أن إدارات الولايات المتحدة مصابة بمرض الخوف والكراهية ضد كل ما هو إسلامي وعربي، وأنه قد حان الوقت للاعتذار عن إغراق العالم العربي في تلك البحيرة الدموية الكبيرة، وإعادته للوراء عشرات السنين، فبعد اعتراف عرضي لأوباما أن ضحايا جرائم السلاح الداخلي في بلده هي أكبر بكثير من الهجمات الإرهابية، علينا أن نفهم أننا كعرب كنا ضحية كراهيتنا لبعضنا البعض، ولا شيء خطيرا تطارده أمريكا حتى اليوم إلا وهي خلف ظهوره.