15 سبتمبر 2025

تسجيل

إنما هـي أعمالكـم

28 يوليو 2013

إن الله عز وجل جعل العمل سبباً لدخول الجنة، كما جعل أكل الطعام سبباً للشبع والحاجة لدى الإنسان سبباً للسعي وراءها والضرب في الأرض من أجلها مع علمنا بأن الله قادر على أن يطعم الإنسان كما أطعم مريم حينما سئلت من أين يأتيك الرزق قالت: (هو من عند الله)، وقيل لها: (كلي وأشربي وقري عينا)، كذلك الله قادر على أن يدخل الناس الجنة من غير عمل، إلا أنه سبحانه جعل هذه الدار (الدنيا) دار امتحان، دار قرار واستيطان وذلك: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، من أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحد بعمله)، أي لا يستحق دخولها بعمله كما جاء في الخبر: (ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم). فالعمل ما كان سبباً، إنما هو من فضل الله ورحمته، لأنه سبحانه هو الموفق لذلك، فصار دخول الجنة مضافاً إلى فضل الله ورحمته ومغفرته، لأنه هو المتفضل بالسبب المرتب عليه، فدخول الجنة ليس مرتباً على العمل نفسه وكون الباري سبحانه أخبر: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) مثلاً لأنه سبحانه وتعالى بكرمه خاطب عباده بما ندبهم إليه من طاعة على حسب ما يتعارفون بينهم من تصرفاتهم المعهودة إليهم، فجعل سبحانه نفسه مشترياً ومستقرضاً، وجعلهم بائعين له ومقرضيه ليكون أدعى إلى استماله قلوبهم وأحرى باستجابتهم لدعوته ومبادرتهم إلى طاعته، وإلا فالنفوس والأموال كلها ملكه، كما أمرنا أن نقول عند المصاب: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ومع هذا فقد مدح من بذل لله نفسه وماله وجعله مقرضاً وبائعاً، كما مدح من قال عند مصابه: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فقال: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأؤلئك هم المهتدون)، فالأعمال كلها من فضله ورحمته وإن كان سبحانه مدح فاعلها ونسبها إليه وجعلها شكراً من العبد لنعلمه، وكافأ على ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنعم الله على عبده نعمة فقال: الحمد لله إلا كان ما أعطى أفضل مما أخذ)، لقوله تعالى: (ولئن شكرتم لأزيدنكم)، وقوله في ثواب الصابرين: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة...). وعلى هذا فالعمل من فضل الله وبفضل الله، والجنة من فضل الله ورحمته على المؤمنين، لذلك أخبر الله عز وجل أن أهل الجنة يقولون عند دخولها: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، فلما اعترفوا بنعمة الله عليهم بالجنة وبأسبابها من الهداية وحمدوا الله على ذلك رفع الله مقامهم عنده ونودوا (أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)، فأضيف العمل إليهم وشكرهم الله سبحانه عليه وأن من تمام فضله عز وجل وإحسانه أن يضاعف الحسنات فيجازي بالحسنة عشرا ثم يزيد من فضل إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ولو أن البارئ عز وجل جازى بالحسنة مثلها كالسيئات لم تقوا الحسنات على إحباط السيئات وإزالتها (إن الحسنات يذهبن السيئات)، فيكون بذلك هلاك صاحب العمل فتحل عليه شقاوة الأبد وعلى هذا فمن أراد الله سعادته الأبدية أضعف له حسناته حتى توفي الغرماء ويبقى لديه فضل فيضاعف هذا الفضل فيدخل الجنة بفضل الله ورحمته. أما من أراد الله شقاوته وله خصوم فإن الله عز وجل لم يضاعف له حسناته كما تضاعف حسنات السعيد فتقسم على الخصوم فيستوفونها وتبقى لهم عليه تبعات من مظالم وغيرها فتطرح سيئاتهم عليه فيدخل بها النار وقال يحيى بن معاذ: إذا بسط الله فضله لم يبق لأحد سيئة وإذا جاء عدله لم يبق لأحد حسنة، وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نوقش الحساب عذب"، أو خصم وجاء أيضاً: "إن الرجل يأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقدم النعمة من نعم الله فتكاد تستنفد ذلك إلا أن يتطاول الله برحمته وفي لفظ" يؤتى يوم القيامة ويؤتى بالحسنات والسيئات فيقول الله عز وجل لنعمة من نعمه خذي حقك من حسناته فما تترك له حسنة إلا ذهبت بها". فعلى العبد أن يعلم أنه هو وعبادته وما عنده كل ذلك بفضل "وما بكم من نعمة فمن الله....". فلا يستحق العبد بما عمل على الله دخول الجنة ولا النجاة من النار وإن كثر عمله وحسن فكيف بمن ليس له كثير عمل أو ليس له عمل حسن؟ فالاشتغال بالتوبة والاستغفار من التقصير واجب عليه وعلى غيره والمقصر أولى ومن حسن عمله وكثر فليشتغل بالشكر لله الذي وفقه لفعل الصالحات مع استصغاره لما يقدمه مهما كان في جناب الله. قال أحد الصالحين: كيف يعجب عاقل بعمله وإنما يعد العمل نعمة من نعم الله وإنما ينبغي أن يشكر ويتواضع. وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه أن يقول في دعائه: "اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي". فانظر أخي الحبيب وأختي الغالية إلى فضل الله ومنته عليك، فلا تتكلوا على الأعمال أو النفس فقد جاء في الحديث: "اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.