10 سبتمبر 2025
تسجيلتأتينا هواجس الموت بين الفينة وأخری ونسأل انفسنا ما هو الموت؟ هل هو نهاية المطاف أم مرحلة أخری للعيش؟ ما هو سر الموت؟ أين نذهب بعدما تخرج الروح من الجسد؟ فهذه الاسئلة قد تهم الجميع وتعتبر اسئلة جوهرية في حياة كل إنسان، علی ضوء الإجابة عليها تبنى الإنسان أعماله وأفكاره ورؤاه وخططه الحياتية. فقد وصف الموت علميا بأنه توقف الكائنات عن النمو والنشاطات الحيوية الأخری ولا يمكن للأجساد الميتة أن ترجع لمزاولة النشاطات والوظائف. هنا يتوقف العقول والاكتشافات ويبدأ الوحي الإلهي بالإجابة علی أسئلتنا المتحيرة، جوابا كافيا من عند خالق الموت والحياة المحيي المميت، مبينا الغرض من هذه السنة الإلهية في المخلوقات، حينئذ يستمتع الإنسان بالطمأنينة القلبية ويكون علی بينة من أمره ولا يخاف من الموت وهو بالمرصاد يأتي بغتة. لا يختلف اثنان منا حول حتمية الموت والفناء وانه مصير كل ذي روح علی وجه الخليقة، ولكن نری أحيانا ما حولنا أمورا شتی تدل علی أن أصحاب تلك الأفعال لم يتفكروا ولو لساعة بأنهم سيغادرون هذه الدنيا الفانية ودون الرجعة اليها، لكن الوجهة المقبلة هي ما أخبرنا بها الأنبياء والصديقون بانها أعظم وأبقی، إذ لا تنتهي حياة الإنسان بموته وان الروح لا تموت بل تنتقل من حال الی حال، فلو قارننا حياة الجنين وعالمه داخل بطن أمه بهذا العالم الواسع سنری بونا شاسعا بينهما، وهكذا قياس هذه الدنيا مقارنة بالآخرة، اذ ان قيامة الفرد ستقوم مع موته، فان عالم البرزخ وحياة الروح بعد فراق الجسد ليست إلا مرحلة أخری من حياة الإنسان؛ الإنسان المتعطش الی الخلود كما هو متعطش الی الماء وقد أروى ظمأه بالماء في الدنيا، وتعتبر هذه القاعدة المنطقية دليلا علی وجوب الحياة السرمدية لكن ليس في هذه الدنيا القصيرة بل في الآخرة، كما قال مصطفی محمود: الموت ليس نهاية القصة ولكن بدايتها، لكنها منقسمة الی الحياة الحلوة والمرة كما نری أمثلتهما الصغری في الدنيا وحسب قصر عمر الفرد فيها والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت (علما بأنه ليس في الجنة يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء). نعم هنالك جاحدون ماديون يستهترون بعقولهم حينما يزعمون عدم ايمانهم بشيء لا يلمسونه ولم يجربوه بأنفسهم وأنهم أصحاب عقول ولا يرونه ويؤمنون بوجود بلد کالصين علی سبيل المثال ولم يزورو أبدا، بل أكثر من ذلك هنالك سماء شاسعة وآلاف الكواکب والنجوم لا نعرف شيئا عنها! هناك عالم الملكوت أكبر بكثير من عالم المادة نشعر به ولا نراه، فعلی سبيل المثال لا الحصر نذكر الفرق بين الجسدين احدهما يتحرك والثاني وافته المنية، لماذا وما الفرق بينهما؟ في حين أن الروح ليست إلا الطاقة المستمدة من نور الله وهي کالهواء وقوة الجاذبية والطاقة و لمغناطيس والخ.... نحس بها ولا نراها، والإنسان مسؤول عن أمانة النفس والروح حيث قال عز من قائل: «قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها، أي دسى هذه الأمانة وهي كانت في البدء خامة ونقية کفطرة السليم لكل مولود. صحيح أن في هذه الدنيا الفانية لا تدوم النعم ولا النقم، ولا نعيم ينتهي بالنار ولا عذاب خواتمه الجنة، لكن ستبقی الأعمال الصالحات والصدقات الجاريات والموروث الحسن بصمة بين الناس بعد موت صاحبه، وكم من غائب حاضر عندنا وحاضر غائب عندنا وما هي إلا ثمار الأعمال، من يزرع الورود لابد ان لا يقطف الأشواك، وان ذكر الموت لا يعني اليأس بل السعي الدؤوب من اجل مرضاة الله والخلود في نعيم الجنات، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. أين الملوك التي كانت مســلطنة حتی سقاها بكأس الموت ساقيها أموالنا لذوي الميراث نجمعهــا ودورنـا لخراب الدهر نبنيهـــا كم من مدائن في الآفاق قد بنيت أمست خرابا ودان الموت دانيها قال التابعي ربيع بن خثيم رحمه الله: لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي. وقدم العمري الي مكة، فلما نظر إلی القصور المحدقة بالكعبة قال: يا أصحاب القصور المشيدة اذكروا ظلمة القبر الموحشة، يا أهل التنعم والتلذذ اذكروا الدود والصديد وبلاء الأجسام في التراب. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة ونسألك لذة النظر إلی وجهك الكريم والشوق إلی لقائك.