20 سبتمبر 2025

تسجيل

بوتين ودبلوماسية إهانة الوفود الغربية

28 يونيو 2022

ما كشفه رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون في لقائه مع الصحيفة البريطانية الديلي ميل مؤخراً عن تعامل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفوقي معه يوم كان نائباً لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، يشير إلى سلوك ممنهج اتبعه ساكن الكرملين في تعاطيه مع بعض المسؤولين الغربيين لاسيما الذين يرى فيهم تهديداً أو منافساً. قصة براون بدأت كما رواها للصحيفة خلال زيارته عام 2006 لموسكو حين اضطر للجلوس على كرسي منخفض جداً مقابل الرئيس الروسي، ليُرغم على النظر إليه من أسفل، فيزيد من حرجه، هذه القصة فتحت ملف تعامل بوتين مع الرؤساء الآخرين، إذ سبق وأن أجلس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على رأس طاولته الطويلة التي عرف بها، وبعيداً عنه ستة أمتار، بعد أن رفض ماكرون الرضوخ لفحص كورونا الروسي، هذه الطاولة بالمناسبة كلّفت مائة مليون يورو، ومطعمة بأوراق الذهب. خلال نفس الفترة وبينما كان يستقبل المستشار الألماني أولف شولتس، تعمد بوتين بعد أن انتهى من المؤتمر الصحفي المشترك معه، إلى أن يمشي أمامه مسرعاً، ويلوح له بيده في أن يلحق به، دون أن يمشيا مع بعضهما، جنباً إلى جنب كما جرت عادة الرؤساء. لكن موقفاً أسوأ منه حصل مع المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل حين استقبلها في عامها الثاني بالمستشارية، وأحضر معه كلبه الأسود الضخم، مما أخاف المستشارة الألمانية، التي بدت مرعوبة في الصورة التي جمعتهما مع الكلب، وكان قد قيل إن المستشارة لديها عقدة من الكلاب منذ أن عضها كلب في عام 1995، مما ترك لها صدمة نفسية، لا تزال تعاني منها حتى الآن، وهي نقطة ضعف يعرفها بالتأكيد بوتين الذي عاش فيها كضابط استخبارات، فأراد أن يستغلها في تطويعها وهزّ ثقتها بنفسها. وتردد الموقف أيضا خارج موسكو حين زار الرئيس الروسي سوريا والتقى رئيس النظام السوري بشار الأسد في القاعدة الروسية في حميميم، رافضاً أن يبلغه موعد زيارته، فلم يستقبله أحد في المطار، فكان أن وضع كرسياً منخفضاً جداً لوزير دفاع النظام السوري علي ديوب، بينما كان كرسيه وكرسي الأسد بالإضافة إلى كرسي وزير دفاعه شويغو ضخماً وعالياً ومتناسقاً، مما أثار ضجة كبيرة حتى وسط حلفاء النظام السوري. مثل هذه المواقف التي تبدو شكليات، لها جذور في العقلية السوفياتية قديماً، إذ يستذكر عبد الحميد محتاط نائب وزير الخارجية الأفغانية خلال السبعينيات، في كتابه سقوط أفغانستان واقعة مرافقته لرئيس الوزراء الأفغاني يومها السردار محمد داود، وكيف أن رئيس الاتحاد السوفياتي ليونيد برجنيف بدأ يتحدث بلهجة تهديدية وتحذيرية لضيفه الأفغاني بسبب سماحه لشركات غربية وأمريكية تحديداً بالتنقيب عن النفط والغاز في الشمال الأفغاني الملاصق للجمهوريات الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد يومها، وحين بدا برجنيف جاداً في لغته التهديدية، نهض محمد داود واقفاً، وقال له: "لن أسمح لكم بالتدخل في الشأن الأفغاني، فأفغانستان دولة مستقلة وذات سيادة وحرة في اتخاذ سياستها"، وأصرّ على المغادرة، فما كان من محتاط الذي كان يرافقه إلا أن أصرّ على مصافحة برجنيف، فكان أن صافحه وقفل راجعاً إلى المطار ومنها عاد إلى أفغانستان. وبينما تصرّ موسكو على هذا النوع من التعامل الدبلوماسي أو اللادبلوماسي مع الوفود الغربية، ثمة رؤساء وقادة دول آخرون يحرصون على توجيب، والاهتمام حتى بقادة الدول التي هي أقل شأناً منهم، كون ذلك سيساعد على توطيد العلاقات وكسب الحلفاء والأصدقاء.