16 سبتمبر 2025

تسجيل

مفهوم المشاركات الثقافية في الخارج

28 يونيو 2014

تحاول الدول تدعيم علاقاتها الدبلوماسية مع العالم عبر فتح السفارات في الخارج، واستقبال السفراء المعتمدين لديها في الداخل. وهذا يؤسس ويُرسي أركان علاقات التعاون الطبيعية بين الدول، ما يجعل مواقفها – في الأغلب – متوافقة عند مناقشة المواضيع الدولية في الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، كما أنه يزيد من تبادل المصالح بما يعود على البلدين بالخير. ويسير في ذات الاتجاه الإعلام الخارجي، الذي يُشكل دعامة رئيسية للجهود الدبلوماسية لأي دولة، حيث يقوم بتصحيح الأخطاء وإزالة "الالتباسات" التي تتراكم في ذهنية الرأي العام في البلد الآخر، ويقدّم الصورة المثلى والواقعية لواقع الحال السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع، وذلك عبر محاضرين متخصصين في المجالات التي يود البلد الزائر توضيحها للمجتمع الآخر، وعبر الوسائل السمعية والبصرية ونماذج الفنون المختلفة. ولكن، نلاحظ في العديد من المناسبات والمحافل الثقافية نمطيةَ المشاركة ومحدوديتها، واقتصارها على نماذج الثقافة المادية (طرب، حناء، أطعمة شعبية، نماذج لحياة البر والبحر)، في تجاهل واضح لصيرورة الحراك الثقافي والاتجاهات الفكرية في أغلب البلدان. كما نلاحظ في العديد من معارض الكتب الخارجية، اقتصار المشاركات على مطبوعات الوزارات أو هيئات الثقافة، وهي ليست مُعبّرة عن الحراك الثقافي والفكري لأهل البلد. فهي إما مطبوعات لهيئات على شكل تقارير، أو ترجمات لكتب عالمية، أو مؤلفات أجنبية على شكل (مذكرات مصورة) لأشخاص عاشوا في المنطقة العربية. ويغيب عن تلك المشاركات الأعمال الإبداعية لمواطني البلد، وأيضاً المعلومات التي ينشدها الزائر للمعرض – في تلك البلدان – عن قوة الاقتصاد، ورخاء المجتمع، تطور التعليم، المبادرات الإنسانية للمؤسسات الخيرية والشخصيات الاعتبارية. وبرأينا أن المشاركات الحقيقية والناجحة في الخارج يجب أن تعتمد الآتي: 1- تقديم المبدعين – في جميع المجالات – إلى المجتمع الآخر. ذلك أن المسؤول في هيئة الثقافة قد لا يكون مُعبّراً حقيقياً عن واقع الإبداع، أو قد تكون ثقافته لا تؤهله لذلك، فهو قد لا يكون مبدعاً من الأصل، قدر ما يكون ممثلاً للدولة أو الهيئة في الافتتاح الرسمي للفعالية.2- ضرورة تغيّر النظرة النمطية والاختيار التقليدي للنشاطات المُعبّرة عن واقع حال المجتمع، وذلك بإدخال نماذج الفكر الحديث ونتاجه للجمهور الآخر، لا أن نعتمد فقط موجات التقليدية "السهلة" والثقافة المادية المُكررة.3- إبلاغ المبدعين بوجود فعالية خارجية، والطلب إليهم تقديم إنتاجهم ومقتنياتهم للمشاركة في تلك الفعاليات. (بالمناسبة شاهدتُ بأم عيني في منتدى الرواية الذي عقد في دولة الكويت مؤخراً، اثنين من المسؤولين الثقافيين الرسمين من دولتين خليجيتين وقد اصطحبا معهما نماذج من إبداعات مواطنيهما، وتم تقديمها للجمهور بالمجان خلال المنتدى). وهذا الإجراء جزء مكمل لدور المسؤول "الرسمي" ومن مهامه الرئيسية إلى جانب " تأبط البشت" والجلوس في الصف الأول. لأن جمهور الندوة والمنتديين يريدون الأعمال الإبداعية للمجتمع، ولا يعولون كثيراً على "كشخة" المسؤول أو أحاديثه الرسمية المنمقة. كما شاهدتُ في معرض للكتاب في جناح دولة خليجية، وقد احتوى على عشرات الكتب من إبداعات مثقفي ذاك البلد، وأيضاً تمت دعوة مبدعين من أبناء البلد الزائر يحاضرون في ذات الجناح وفي تخصصات مختلفة!؟ وكم سررتُ لذلك الاستغلال الأمثل والأجمل لمعرض الكتاب، وتألمتُ عندما زرتُ جناحاً آخر ولم أجد أَياً من الإبداعات المحلية، ووجدتُ موظفتين وأمامها دلتا القهوة والشاي، بينما الجناح يعاني الهزال، و"نقص الثقافة"!.4- إشراك المبدعين وتعريفهم على المجتمع الآخر! إن الأسابيع الثقافية الخارجية والمعارض لا يجب أن تُختزل في الكتب ونماذج الحياة المادية، بل يجب أن تُعبّر عن حقيقة المجتمع، في مجال السياسية والاقتصاد والاجتماع، ودور المرأة، والرياضة.5- حُسن اختيار القائمين على المعرض أو الفعالية الثقافية، بحيث يستطيعون التعبير عن الحراك الثقافي للبلد، وأن يتقن بعضهم اللغة الإنجليزية – إن كانت الفعالية في بلد أجنبي – ونعني بحسن الاختيار أن يكون الشخص الواقف في الجناح بشوشاً، مدركاً للأرقام التي تبوأتها بلاده في المجالات المختلفة، ولديه لباقة في التصرف والإتيكيت بحيث يقنع السائل أمامه، وعلى الأقل يكون اطلع على محتويات الجناح كي يعطي السائل فكرة عما يحتويه المعرض. كما يعضدُ الإعلام الخارجي المشاركات الثقافية الخارجية كالأسابيع الثقافية ومعارض الكتب التي لابد وأن يكون من أهدافها: أ‌- نقل الصورة الحقيقية عن الحراك الثقافي لأي بلد، في جميع مناحي الثقافة.ب‌- تعريف المجتمع الآخر بالنماذج والرموز الثقافية، والاتجاهات الجديدة والأصيلة للثقافة في البلد.ت‌- تعريف رموز الثقافة المحلية بالرموز النظيرة لها في البلد الآخر.ث‌- إقامة شراكة وتفاهمات حول ترجمة وطباعة ونشر الإنتاج الثقافي للبلد الزائر والبلد المضيف، ضمن أسس علمية تهدف إلى ترويج المنتج الثقافي في كلا البلدين.ج‌- تصحيح الصورة النمطية عن البلد الزائر، واستغلال المناسبات الثقافية لدحض الافتراءات والمواقف السلبية لوسائل الإعلام الغربية ضد منجزات البلد، وتقديم نماذج لحالة التطور للمجتمع الزائر في مجالات التنمية، حقوق الإنسان، تفعيل دور المرأة، رعاية الطفل، تطور التعليم، إقامة المؤسسات التي تدعم الدولة، وغيرها من المواضيع التي يجب أن يكون لها حضور في الأسابيع الثقافية الخارجية وفي معارض الكتب.نحن بصراحة نحتاج إلى رؤية جديدة لمشاركاتنا الثقافية الخارجية، لأن التمثيل الرسمي يقتصر على بعض الصور، ولا يقدِّم كامل الصور عن واقع الحال الثقافي، خصوصاً لدى المجتمع الغربي، الذي لا يحفل كثيراً بالخطابات والافتتاحيات الرسمية، قدْر اهتمامه بالإنتاج الإبداعي لأبناء المجتمع وتاريخهم ومؤسساتهم واتجاهاتهم الفكرية والإبداعية. كما أن حاجز اللغة يظل معوقاً مهماً إن كان المشاركون في تلك المناسبات لا يتقنون اللغة الأخرى خصوصاً الإنجليزية أو الفرنسية.نأمل أن يتلقف أحدهم – مِمن نتوسم فيه الخير – هذه الفكرة لتغيّر مفهوم المشاركات الثقافية الخارجية، ويقدم رؤية جديدة – غير نمطية – لمشاركاتنا الثقافية في الخارج.