11 سبتمبر 2025

تسجيل

نورٌ آخر النفق- قصة قصيرة

28 مايو 2023

يُحكى أن رجلاً ذا عز وجاه، وقوة وشدة، كان يملك الأراضي والشواطئ والحقول والبساتين التي تحيطها البحار من جميع الاتجاهات تقريبا، وقد كان لهذا الرجل اثنان وعشرون ولدا من نساء كثيرة، وكانوا يقطنون الشمال والجنوب والشرق والغرب. عاش الرجل وأبناؤه لفترة طويلة من الزمن في قوة ونماء، فقد كانوا اهل علم ومال وخلق ودين، فلم يكن يجرؤ أحد ممن يجاورهم من القبائل والشعوب بمجرد التفكير بالاعتداء على احدهم حتى يهب الاب وباقي ابنائه لنصرته، فقد كانوا يدا واحدة يؤازر بعضهم بعضا، وكانت لهم شوكة يحسب لها الف حساب. وفي يوم من أيام الزمان المتقلبة، جاءت الأب سكرات المنية، فجمع أبناءه وهو في آخر ساعات احتضاره لكي يوصيهم وينصحهم، فاجتمع الأبناء والتفوا حول ابيهم والحزن قد بان على وجوههم وفطر قلوبهم، فقال لهم الأب "إني ماضٍ لرحمة الله، وإني أوصيكم بأنفسكم خيرا، فلا تدعوا غريبا يدخل عليكم، وتراحموا فيما بينكم، واعلموا أن من حولكم سيطمعون فيكم ان ضعفتم وتفرقتم، وسيهابونكم إن اجتمعتم وتوحدتم، واحرصوا على دينكم وعلمكم، فإن فرطتم فيهم ذهب عزكم ودنت ساعة شتاتكم"، ثم فاضت روح أبيهم إلى بارئها. مرت بعد ذلك عقود معدودة، تخالفت فيها أجيال كثيرة، وبدأ الاخوة في الفرقة والانشقاق، ودبت الخلافات فيما بينهم، بعد ان فرطوا في دينهم الصحيح وعلمهم الغزير، فبدأت الفتن بالانتشار بينهم، وهبوا الى الاغراب للاستعانة بهم على بعضهم، فهذا طلب العون من الغرب، وذاك ارتمى في أحضان الشرق، وبعد ان كانوا متكاتفين ومتحدين اصبحوا متخاذلين ومتفرقين، فأضحى كل منهم يمكر ويدبر ويحيك الدسائس والفتن لأخيه خوفا من سطوته أو طمعا في ثروته، وما هي الا حقبة قصيرة من الزمان حتى اصبحوا في خبر كان، وبعد القوة والانتصار، آل أمرهم الى الضعف والخسران، فباتوا مطمعا ولقمة سائغة لأعدائهم. استمر تشرذم الاخوة وانقسامهم الى ما شاء الله، ثم بعث الله من اصلابهم رجالا بدأوا يسعون الى وحدة الصف واجتماع الكلمة، ولكنه لم يكن بالامر اليسير، فكلما تقدموا خطوة الى الامام، اعترضهم عدوهم ومن يترصد لهم ولوحدتهم بوضع العقبات وإثارة النعرات، فيتقهقرون لعشرات الخطوات الى الوراء، ولكن العقلاء منهم بالرغم من كل ذلك عازمون على المضي سعيا الى أن يكونوا قمماً شاهقة لا لقمة سائغة. وختاما أقول: يقول المولى عز وجل في الآية 46 من سورة الانفال ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، يقول فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوي رحمه الله في خواطره في تفسير هذه الآية " إن طاعة الله تعالى تتمثل في تنفيذ ما أمر به في المنهج، وطاعة الرسول هي طاعة تطبيقية في السلوك، وهي طاعة لله أيضا؛ لأن الرسول مبلغ عن ربه، ولابد للطائع أن يبتعد عن التنازع مع إخوته المؤمنين، لأن التنازع هو تعاند القوى، أي توجد قوة تعاند قوة أخرى، والقوى المتعاندة تهدر طاقة بعضها البعض، فالتعاند بين قوتين يهدر طاقة كل منهما فتصبح كل قوة ضعيفة وغير مؤثرة. فكونوا يدا واحدة ؛ لأنكم إن تنازعتم فستضيع قوتكم وتقابلون بالفشل، أي لن تحققوا شيئا مما تريدون، لأنكم أهدرتم قوتكم في التنازع، ولم تعد لكم قوة تحققون بها ما تريدون وستذهب ريحكم في هذه الحالة. والفشل هو إخفاق الإنسان دون المهمة التي كان يرجوها من نفسه.