25 أكتوبر 2025

تسجيل

لصوصيةٌ خطِرة

28 مايو 2014

اللصوصية ليست سرقة المال والمتاع فحسب، بل هناك لصوصيات أخرى أيضا ومنها سرقة الحقيقة التي يتورط فيها كثير من أهل السياسة والإعلام، وبعض من يصنّفون كنجوم للمجتمع. ويكون ذلك من خلال تزييفها، أو ممارسة الخداع بشأنها، أو التكتم عليها أو على أجزاء منها، أو عدم الإدلاء بشهادة حق بشأنها، أو تجميل الوجوه القبيحة المرتبطة بها، أو تشويه الوجوه الناصعة ذات العلاقة بها.سرقة الحقيقة أكثر خطورة، وأشد تأثيرا من سرقة الأموال والأمتعة، لأنها تستهدف العقول والأدمغة وربما القلوب والمشاعر، وتسهم في ذات الوقت بتمزيق وشائج العلاقات الاجتماعية والفكرية والثقافية، وتهديد الهوية الفكرية وقواعد العيش المشترك، والعبث بالقيم والمفاهيم والسلوكيات.ولصوصية الحقيقة تترك تأثيرها في ماضي الأمم وحاضرها، ويحرص كثير من أصحابها أن يمارس دوره التضليلي ليؤثر في المستقبل من خلال خداع الأجيال القادمة ومحاولة تشويه معالم الطريق أمامهم. تأملوا التاريخ العربي والإسلامي، ولن أقول الإنساني.. كم دخله من التشويه والتحريف والخلط، لا أتحدث عن محدودي الفهم الذي كتبوا عن جهل، ولكن عمن تعمدوا تشويه الحقائق وتحريفها أو قلبها أو احتكارها، لهوى في النفوس بسبب نعرات طائفية أو مذهبية أو قومية. لا يكتفون من وراء التشويه بما فعلوه بحق الأجداد ماضيا، ولا بما يفعلونه بالآباء حاضرا، بل يصرون على سرقة المستقبل من خلال تشويه الحقائق للأطفال، إنه اغتيال ممنهج لمستقبل الأمة على اعتبار أن الأطفال والناشئة والشباب هم عنوان المستقبل، لتصبح المفاهيم المشوهة الممتزجة بالتضليل مسلمات كما يحلمون. وبينما يفترض أن تكون الكلمة أمانة فإن أكثر من يُستخدمون في عمليات لصوصية الحقيقة أو يساعدون عليها هم أصحاب الفكر والقلم والرأي، مثل الكتّاب والمؤرخون والإعلاميون وبعض قادة الرأي كرجال الدين والمشتغلين بالفن. وتزداد خطورة لصوص الحقيقة لاسيَّما مع تطور وتوسع وسائل الاتصال التي تجتاح العالم اليوم، نظرا لقوة تأثير هذه الوسائل وسحرها في نفوس الجمهور، وبما يقدم عبرها ممتزجا بأساليب الدعاية والتأثير النفسي.. وحتى تتأكدوا من ذلك تكفيكم متابعة ما يحدث في سوريا، حيث لا يكتفي النظام بإدارة المعركة العسكرية بشراسة، بل يدير معركة دعائية مضلِّلة بالتوازي معها، من خلال سيطرته على وسائل الإعلام الداخلية، ومنع وسائل الإعلام الحرّ السورية أو الدولية من العمل والتنقل بحرية، ونقل الحقيقة الصادقة عما يجري من الواقع الميداني، لكي يتم تداول راويته فقط. والشيء نفسه يتم في مصر، حيث توجد ترسانة إعلام ضخمة، كانت تقف ضد حكم مرسي وهو الرئيس المنتخب شرعيا، وتساند نظام الانقلابيين منذ الثلاثين من يونيو الماضي بصفاقة، وتقدّم للجمهور رؤية واحدة تبرر فيه الانقلاب وتشيطّن "الإخوان"، وتغضّ الطرف عن كل المخالفات والتجاوزات الأمنية والحقوقية والقضائية التي تحدث من قبل العسكر والأجهزة الأمنية. من أبرز الأمثلة على سرقة الحقيقة ما يتم تداوله في إطار مصطلح " الإرهاب"، فتجد أن لصوص الحقيقة على سبيل المثال ينعتون " الإخوان" في مصر، وهي حركة تمارس العمل السياسي منذ عقود بالإرهاب، وعلى نحو متصل ينعت النظامان السوري والإيراني الثوار في سوريا بالإرهاب هم وأجهزة إعلامهم، ويختزلون الثورة بـ " داعش " وبأعداد بسيطة دخلت سوريا من جنسيات أخرى، بينما يصفون مقاتلي حزب الله (لبنان) وكتائب أبي الفضل العباس (العراق) ومن لفّ لفهم بـ"المقاومين" رغم أنهما دخلاء على سوريا وأغراب عنها، وينخرطون في قتال الشعب السوري وثوّاره، كما تفعل " داعش"، والمؤلم أن العالم يشارك في هذه المؤامرة، فيتحدث عن إرهاب فصائل في المعارضة السورية، ولا يتحدّث عن إرهاب الأحزاب والمليشيات الشيعية الطائفية القادمة من لبنان والعراق وباكستان واليمن.. والتي تساند النظام السوري وتقف جنبا إلى جنب مع جيشه. ويأتي المفتون ليكملوا هذه المسرحية المضحكة المبكية من خلال فتاوى يفصّلونها على مقاسات ترضي الحاكم، ليكسبوا ودّه، حتى وإن جاءت على حساب سخط ربّ العباد، وتحريض العسكر على أحزاب بعينها لضربها واستئصال شأفتها.إذا كانت سمعة اللصوص الذين قد يسرقوننا في المنازل أو الشوارع سيئة عند الله والناس، وقد تستوجب تطبيق الحد عليهم في الظروف الطبيعية، فقد آن لكل الشرفاء في عالمنا العربي تعرية سارقي الحقيقة، وإصدار لوائح سوداء بأسمائهم وسجلاتهم وأدوارهم القذرة، والتشنيع عليهم، وتوعية الأجيال الحاضرة والمستقبلية منهم ومن أمثالهم، وتوعّدهم بالمحاكمات العادلة، بعد انتصار الثورات.. شأنهم شأن من تلخطت أيديهم بالدماء سواء بسواء. والغرض من ذلك محاولة ردع من يمكن ردعه، أو معاقبة المصرين على عمليات التزييف والتضليل منهم، من خلال القضاء العادل، ورسم إطار للصورة الذهنية التي تليق بهم وبأدوارهم التخريبية وجرائمهم الأخلاقية، لتستقرّ في وجدان الأمة كي ينزلوهم المنزلة التي يستحقونها.