15 سبتمبر 2025

تسجيل

أبناؤنا والتفكير الإستراتيجي

28 أبريل 2018

قد يتعجب البعض من فكرة تعليم أبنائنا كيفية التفكير الاستراتيجي، وتدريبهم على ذلك اللون من التفكير، بدعوى صغر سنهم، وضعف عقلهم عن إدراك ماهية التفكير الاستراتيجي. ولكن بإمعان النظر في حال المجتمعات التي حققت قفزة نوعية في النهضة والتقدم ، نجد اهتماما ملموسا بهذا الجانب في مناهجها الدراسية، وورش العمل التي تقدمها للطلاب، وكذلك في الدورات المتقدمة التي تعقد  لهم، إيمانا منهم بقدرة عقول أبنائهم على استيعاب تلك الموضوعات ابتداء، وتأثرا بما رأوه من إنجازات على أرض الواقع نتيجة تدربيهم على ذلك اللون من التفكير. ومن هنا تقع المسؤولية على المهتمين بالتربية أن يعلموا ويدربوا أبناءهم على الألوان المختلفة من التفكير، فنجعله يبدي رأيا مؤيدا أو معارضا في مواقف مختلفة مع إبداء الأسباب المقنعة لكل رأي ليتدرب على التفكير الناقد، وندفع عقله نحو التفكير الإبداعي، وذلك بالنظر للمألوف بطريقة أو بزاوية غير مألوفة، ثم تطوير هذا النظر ليتحول إلى فكرة، ثم إلى تصميم ثم إلى إبداع قابل للتطبيق، ونعرفه  أن العملية العقلية التي يتم بموجبها حل المشكلات أو اتخاذ القرارات بطريقة صحيحة من خلال التفكير المنظم و المنهجي – هي ما يسمى بالتفكير العلمي  ، ونصرف ذهنه عن التفكير السلبي التشاؤمي، ونرغبه في التفكير الإيجابي، ونوضح له أن التفكير الاستراتيجي هو بحث واستكشاف وفهم كل الخيارات الإستراتيجية.  ونوضح له أن الاستراتيجي ليس معناه  طويل الأجل – كما يعتقد الكثيرون - فهذا تعريف خطأ وناقص، إنما الاستراتيجي هو ثلاثة موضوعات معا: الكل قبل الجزء، والأهم قبل العاجل، والغاية ( النتيجة ) قبل الوسيلة.  وكي نقرب إليه المعنى  نحكي له قصة سيدنا موسى (النبي) مع العبد الصالح الحكيم، حيث ذهب إليه موسى – عليه السلام -  ليتعلم منه الرشد ( التفكير الاستراتيجي ) ليسترشد به ويهتدي، وكانت الدروس الثلاثة هي: خرق جزء من السفينة لإنقاذ السفينة كلها (لأن الكل أهم من الجزء )، وقتل الغلام الصغير لطغيانه وكفره  ( الوسيلة ) لإنقاذ الوالدين المؤمنين ( الغاية ) لأن ( الغاية أهم من الوسيلة )، أما المبدأ الثالث فتمثل في تأجيل حصول الأطفال اليتامى على أموالهم لقضاء حاجياتهم العاجلة في مرحلة الطفولة حتى يبلغوا أشدهم و يستعينوا بها في قضاء حاجياتهم الأهم (مثل الزواج أو بناء بيت أو التجارة الخ) وخاصة أنهما كانا يعيشان في بلد ليس عند أهلها الحد الأدنى من القيم الإنسانية، لأن ( الأهم الآجل أولى من العاجل الأقل أهمية ). ويظل التحدي الأكبر أمامنا في كيفية إيجاد المسارات التي يسلكها أبناؤنا نحو التفكير الاستراتيجي، إنه حُلم عظيم يحتاج إلى تكاتف الجهود حتى يصبح واقعا ملموسا، ولعله يكون قريبا!