26 أكتوبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); (1) جميل جدا أن نقرأ ونسمع عن مشاريع جوهرية في الإصلاح الاقتصادي لدول الخليج العربي، تنطق بها رؤى قصيرة وبعيدة المدى، تنطلق من أرضية مدركة لعناصر القوة والمهددات على حد سواء. لا ينكر أحد أن الموضوع مرتبط في أجزاء كبيرة منه بالجانب الاقتصادي، ولكن عالمنا اليوم بات يعيش "عولمة" ليس في الجوانب الثقافية فقط، بل حتى في الجوانب الاقتصادية المرتبطة بالسياسة والأخلاق وغيرها من المكونات الرئيسية لأي نهضة مرتقبة. لعل عدم إدراك أن أي رؤية اقتصادية لا تدفع بإصلاحات سياسية على الأرض قد تكون قاصرة، بالضبط كمن يتحدث عن معالجات اقتصادية مؤثرة، ولكنه لا يقترب أبدًا من الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن. تابعت رؤية المملكة العربية السعودية 2030، فوجدت فيها استحضارا للبعد والتأثير الديني للمملكة، كونها حاضنة للحرمين الشريفين وقلبا نابضا لهذه الأمة.تابعت خططا إصلاحية أخرى في منظومتنا الخليجية، فوجدتها قد عمدت إلى محاربة الفساد واستئصال شأفته، وعدم السماح لأي هدر أو مشاريع فاشلة أن تؤثر على مستقبل أي رؤية اقتصادية مستقبلية.لا يمكن حقيقة الولوج في عالم الإصلاح بأسلحة قديمة، وبالإبقاء على عقليات قد لا تتوافق مع الخطط الإصلاحية المرسومة، وهذا ما كان واضحا في الخطط السعودية والقطرية والإماراتية، حيث تنفيذ الاستبدال الفوري الناجح لمن ينفذ خطط الإصلاح أمر طبيعي وضروري.إذا كان مدرب كرة القدم لديه كم من البدلاء الذين يدفع بهم لضمان فوز فريقه بالمباريات، فهل يعقل أن يتم الإصرار على بقاء وجوه غير ناجحة في المشاريع والرؤى الاقتصادية والسياسية والتعليمية.مبادئ ومفاهيم أساسية، كمحاربة الفساد المالي والأخلاقي والسياسي والطائفي، والتوزيع العادل للثروة، والعدالة الاجتماعية وحماية الفقراء والطبقة الوسطى في المجتمع، وصولا إلى ترفيه المتقاعدين وتقديرهم، هي أسس لنجاح أي رؤى اقتصادية، وبدونها سنظل نعاني كثيرا حتى ننجح.مصيبة بعض أنظمتنا الخليجية أنها تندفع للإصلاح في جوانب، وتتراجع في جوانب أخرى، مما ينعكس كثيرا على أي تقدم منتظر.عدم الجرأة في المحاسبة، وغلبة تنفيذ الإصلاح بعقلية متأثرة بالارتباطات القبلية والمناطقية والطائفية، واختلاط الحكم بالتجارة، باتت مؤثرات تحدّ كثيرا من نجاح خططنا الاقتصادية.ولعل من يتابع مفردات الأمير محمد بن سلمان الأخيرة، يلاحظ كيف رسم رؤية المملكة القادمة، بعقلية اقتصادية لا تنحاز إلى لقب أو منصب أو جاه، وإنما إلى المواطن فقط لا غير.إذا نجحت تلك الفلسفة الناجعة في الحكم، وإذا نجحنا في تسويقها لجميع دولنا بلا استثناء، فسوف تتخلص منظومتنا من إرث مُكبِّل لتقدمنا ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل حتى في الجوانب السياسية والاجتماعية.العالم يتغير بسرعة، وإذا لم نستحدث الأدوات الجديدة التي تحمي منظومتنا الخليجية سياسيا واقتصاديا، في عالم مليء بالذئاب، فسوف نندثر. (2) في ورقة جميلة وأنيقة كتب وزير المالية والتخطيط الكويتي السابق الدكتور يوسف الإبراهيم، دراسة بعنوان: "إصلاح الخلل الإنتاجي بدول مجلس التعاون".تحدث في تلك الدراسة المستفيضة عن الملامح الحقيقية لخلل الهيكل الإنتاجي في دولنا الخليجية، التي يراها قد سارت على أنماط تنموية اعتمدت على سياسات التنمية الهادفة إلى إعادة توزيع الثروة، الأمر الذي –وبحسب تحليله - أفرز الكثير من الاختلالات التي باتت تهدد مسار عملية التنمية المستقبلية، بسبب تزايد الأعباء المالية وضغطها على الميزانيات العامة.الإبراهيم يرى اعتمادا مفرطا على النفط، وارتفاع مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي للقطاع غير النفطي، واختلال هيكل الإنفاق الكلي، وارتفاع معدلات التسرب من دورة الدخل والإنفاق القومي، وهيمنة القطاع العام على حركة النشاط الاقتصادي المحلي، واختلال هيكل الميزانية العامة، وأخيرا اختلال هيكل السكان وقوة العمل.الإبراهيم يرى "أن صياغة رؤية الدولة ضمن الإطار التنموي لدول المجلس وتغليب المصلحة الخليجية على المصلحة القُطرية هو المسار الممكن والمجدي ضمن المستجدات العالمية".في ذات المقال، أشار إلى تداعيات استمرار تلك الاختلالات على دولنا في المستقبل، ثم تطرق إلى بند غاية في الأهمية بعنوان: متطلبات الإصلاح على مستوى الحكومات والمجتمع الأهلي والمواطن.تحدث فيه عن وضع رؤى واضحة ومتكاملة، ودعم قدرة المؤسسات على إدارة عملية التغيير، كما تحدث عن مشاركة المؤسسات الحاكمة في تحمل أعباء التغيير، إضافة إلى دعم حرية التعبير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وتعميق المشاركة الديمقراطية.تحدث عن أثر تلك الاستحقاقات غير الاقتصادية، كما تحدث عن إستراتيجيات اقتصادية حقيقية، مثل تنويع الهيكل الإنتاجي، ومعالجة الخلل في الميزانيات العامة، وتطوير التعليم وتنمية القوة البشرية. تحدث عن دعم برامج الخصخصة وإعادة صياغة دور الدولة، كما تحدث عن تنسيق السياسات النقدية والمالية وتطوير ودمج أسواق المال.تحدث عن تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي، كما استفاض في حديثه عن ضرورة معالجة اختلال هيكل أسواق العمل في دول خليجنا العربي. في العام 2015، وخلال منتدى الخليج الاقتصادي بالدوحة، تحدثت السيدة دعاء الحربان مدير الإحصاءات السكانية والاجتماعية بالمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن مراحل تطور العمل الإحصائي بدول المجلس.وبينت في ورقتها المهمة حقيقة، أن هناك 11 مشروعا إحصائيا خليجيا مشتركا، هي الحسابات القومية، والإحصاءات النقدية والمالية، وإحصاءات ميزان المدفوعات والأرقام القياسية للأسعار والمؤشرات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وإحصاءات العمل والطاقة والبيئة ومؤشرات التنمية والتقدم والاستدامة والتعداد التسجيلي الموحد 2020، وتعزيز استخدام قواعد البيانات الإدارية للأغراض الإحصائية، وجودة البيانات والسياحة وغيرها من التفاصيل.نعود ونكرر، دولنا بإمكانها أن تتحول إلى مارد اقتصادي قادم، بما تملكه من إمكانات وعناصر قوة، فقط لو امتلكت تلك الرغبة، وتخلصت من أغلال مجاملات القبيلة والمنطقة والطائفة، واتجهت إلى الاتحاد الخليجي الحقيقي، الذي تتوافر جميع أسبابه ومتطلباته، بل وأجزاء كثيرة من أرضيته المشتركة.