13 سبتمبر 2025
تسجيللا شك بأنّ التوسعة في الحرم المكّي الشريف إنجاز عظيم يستحق الإشادة خصوصا في ظل مساعي حكومة المملكة في تيسيير كافة المرافق الخدمية التزامنية مع الإعمار شاملة التهوية والتروية وفوق ذلك كله جاهزية مناطق التوسعة وهي تحت التعمير والتحديث لاستقطاب واستيعاب أقصى ما يمكن استيعابه من كل الجنسيات الإسلامية في مواكبة للأعداد المتزايدة رغم الضرورات التي تفرضها مقتضيات الإصلاحات من إغلاق مبكر للبوابات حفاظا على أمن وسلامة المصلين من التراص والازدحام وعواقبه.ومع ابتهاج واستعداد محافظة مكة المكرمة المزينة طرقاتها وشعابها بصور الملك والشعارات الجميلة لاستقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لها قريبا في أول زيارة له بعد توليه الحكم، ومع إيماننا الكامل بجهود المملكة في خدمة المسلمين وتيسير كافة الخدمات التي هي غنية عن الإشادة والمناقشة.ولكن : هل سيشهد التحديث والتوسعة في عهد الملك سلمان تكريم وتقدير مكانة المرأة مثلها مثل الرجل خصوصا وأننا نعلم أن الله تعالى قرن العبادة للمرأة بعبادة الرجل في مختلف آيات الكتاب الحكيم وكفل للمرأة نصيبها بقوله تعالى: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ " خصوصا وأن النساء في المسجد الحرام يعانين محدودية الأماكن المخصصة لهن وبعدها ووجود الحواجز المرتفعة التي تحجب عن المرأة حتى رؤية البيت والكعبة المشرفة. فجريرة فصل النساء عن الرجال لا تعني أبدا تحجيم مواقع صلاة النساء بربع الحرم أو أقل أو إبعاد مناطق صلاتهن وهن اللاتي أمر الرسول ص بالرفق بهن لضرورات بنيوية جسدية وبيولوجية. مع تقدير قراءة متأنية في الرؤية الفقهية ومع كل المنعطفات التاريخية المشرفة في تاريخ المملكة العربية السعودية حامية حمى الحرمين التي لا تألو جهدا في تيسير كافة الخدمات طوال العام ، تبقى معاملة المرأة في الحرم المكي هي ذات المعاملة الدونية في تحجيم مواقع الأماكن المخصصة للنساء وعزلها بعوازل ، بل وتجرؤ رجال الأمن على المرأة بالنهر والزجر حتى تغادر موقعا هو أصلا محاذٍ للنساء أو موقعا تفرضه ضرورات دخول وقت الصلاة وإقامتها ضمن صف من بنات جنسها.لن نطيل في توضيح المسوغات الدينية فهي واضحة ، ولكننا ننظر أيضا إلى الإرهاصات الإيجابية الاستشرافية والتي بدأت إرهاصاتها المبكرة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز "رحمه الله" من تقدير دور المرأة وقيمة عملها وعبادتها وشخصيتها، أدلل على ذلك منها : أولا: الريادة المبكرة لتعيين النساء السعوديات عضوات في مجلس الشورى وهو سبق للمملكة حتى على بعض الدول المجاورة خليجيا و السباقة في تمكين المرأة. سبق تمثل في إعادة تشكيل مجلس الشورى في يناير 2013 بتخصيص 20% من مقاعده للنساء، وقيام الملك عبدالله بتعيين 30 سيدة بالمجلس لأول مرة في تاريخ المملكة.ثانيا: الإرهاصات المباركة في عام 2010 لتغيير نمطية مشاركة المرأة وأدوارها في المجتمع السعودي وذلك في التأكيد على حديث الرسول ص في قوله "إنما النساء شقائق الرجال" في لوحة متكاملة وتضمينه أوبريت الجنادرية "وحدة وطن".2010 الذي صدح شعرا بـ " (حنا شقايق ها الرجال... قول النبي ما به جدال.....) حيث جاءت لوحة المرأة في مشهد مستقل كامل ولأول مرة برسم ملامح جديدة في تاريخ المملكة، جاء بعده بسنوات قليلة تعيينها في الشورى.ثالثا: وهو الأمر الحديث المستجد المنعطف التاريخي لخطبة الحرم المكي الشريف الذي انطلق مؤخرا ليشمل الحياة وتوظيف الأحداث الجارية فيها بما فيها من منعطفات دينية سياسية خطيرة، حيث كانت الكوارث السياسية سابقا لا تغادر اثنين: إما "الدعاء في الخطبة الثانية للمستضعفين في كل بقاع الإسلام دون إثارة لقضايا الدين والسياسة بشكل عام. أو تقييد موضوعات الخطب الدينية في الجمع والعيدين بقضايا "المرأة وحجابها" . لقد كانت للمملكة مواقفها المتدرجة نحو حقوق المرأة في عهد الملك الراحل، كما كان للملك سلمان رغم حداثة عهده قراراته السياسية والاقتصادية النافذة بل وحتى وقفاته الإعلامية السريعة المواكبة للحدث ومكامن الخطر وللوضع السياسي والاقتصادي. ولأن الدين جزء لا يتجزأ من الحياة ، ولأن الحرم المكي هو حق كل المسلمات في كل بقاع الأرض تنتظر المرأة المسلمة من الملك سلمان بصفته (خادم الحرمين الشريفين) وتلتمس منه إعادة حق المرأة الديني إلى نصابه في ضرورة تمتعها بممارسة العبادات على وجهها الصحيح والتوجيه - خصوصا في ظل هذه التوسعة العظيمة - إلى تخصيص مواقع مناسبة لصلاة النساء تحقق للمرأة عبادتها و تصون لها مكانتها وكرامتها ودون طرد أو زجر أو نهر ودون حواجز تحجب الكعبة عن ناظرها، إذ لا أفضلية في إيجاد مساحات مناسبة للعبادة في دور الله حتى لو سلمنا بأن خير صفوف الرجال أولها والنساء آخرها، وحتى لو أعطيت المساحة الأكبر للرجال. المهم أن تكرّم المرأة وتقدر عبادتها كما أرادها الخالق دون مهانة بشرية، فالإسلام في العبادة لا يخاطب الجنس بل يخاطب النفس والروح لذلك جاء قوله تعالى:"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". وجاء قوله تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" فيصلا في العمل.