19 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا وعقدة العراق في الذكرى العشرين للغزو

28 مارس 2023

توقفت بعض الصحف الأمريكية طويلاً وعميقاً عند الذكرى السنوية العشرين التي مرت قبل أيام على غزو العراق عام 2003، وبدأ كبار الكتاب الأمريكيين يتحدثون عن التغيرات العميقة التي أحدثتها هذه الحرب على الساحة الأمريكية، داخلياً وخارجياً، وتفاعلات ذلك على سمعتها الخارجية، ورأت صحيفة النيويورك تايمز أن العقدة العراقية ستكون أكثر عمقاً وتأثيراً في المجتمع الأمريكي من العقدة الفيتنامية على الرغم من أن ضحايا الأخيرة كانت أكثر بـ 12 ضعفاً من ضحايا العقدة العراقية، ولكن تأثيرات الحرب العراقية أكبر وأعمق وأوسع، ودللت على ذلك بانهيار منظومة المحافظين الجدد، حيث لم تتمكن من الحلول محلهم أي منظومة جديدة، وهو ما مكن اليسار الأمريكي والشعبويين من أمثال ترامب من ملء الفراغ الذي يدفع ثمنه الشعب والمجتمع الأمريكي حتى اليوم، وهو الأمر الذي سيتواصل ربما لفترة مستقبلية طويلة. الجانب الآخر الذي ركزت عليه الصحف الغربية وهو الواقع العراقي الذي خلفه الاحتلال الأمريكي للعراق مما خلق حالة يصعب على صانع القرار الأمريكي أن يتفاخر بها، ولذا نرى خصمه الروسي يستدل دائماً بما اقترفته القوات الأمريكية في العراق، ليبرر بها أعماله إن كانت في سوريا أو في أوكرانيا. وقد أتت الحرب الأمريكية في أفغانستان والتي استمرت لعقدين، لتؤدي إلى مزيد من تآكل السمعة الأمريكية، ولاسيما الساعات الأخيرة للانسحاب المذل، بينما يرى البعض أن النموذج الذي تركته القوات الأمريكية في أفغانستان، من تسليم الأرض والمقرات وغيرها، أظهر مدنية نسبية أكثر من الواقع الذي خلفته بعد رحيلها من العراق، ولعل هذا ما يخفف وطأة الانسحاب من أفغانستان بخلاف العراق، فمؤيدو الحرب الأمريكية في أفغانستان لا يزالون على نفس العقيدة والرأي في دعم وتأييد الحرب هناك، بخلاف الحرب العراقية، التي كانت مبرراتها منتفية تماماً مقارنة بمبررات الحرب على أفغانستان، لكون أحداث 11/9 خرجت منها. ولكن مع هذا تبقى تداعيات الحرب الأفغانية، النفسية والمالية ضخمة جداً فعلى الصعيد المالي كانت كلفتها بما يوازي ثلاثة تريليونات دولار، وهناك الكلف المالية الضخمة غير المرئية لعقود ربما، ممثلة بكلفة معالجة الجنود المصابين بعقد نفسية وعقد الحروب، وهو ما أطلق عليها عقدة أفغانستان النفسية، والتي قد تكلف الجيش الأمريكي ميزانية ضخمة بشكل سنوي. لكن الأهم من هذا كله، هو تأثيره على الساحة الدولية، حين نرى انشغال أمريكا والقوى الغربية في الساحة العراقية عن صعود الصين وروسيا، وتحالفهما مع بعضهما بشكل أقوى من السابق، وهو الأمر الذي تجلى في الحرب السورية حيث برز التنسيق الصيني ـ الروسي، والآن يبرز بشكل أقوى في التنسيق بينهما على الساحة الأوكرانية، وكل ذلك على حساب الاستراتيجية والتموضع الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي سيضعف النموذج الأمريكي وسط حلفائه بعد تخليه لسنوات طويلة عن ساحات كثيرة لصالح التعاون الصيني - الروسي، وهو الذي يترجم بشكل يومي من انحياز بعض الدول التي كانت محسوبة على الحلف الغربي لصالح المحور الجديد في ملفات وساحات معينة. بعض صناع الرأي والساسة الأمريكيين يرون لتعويض أمريكا عن هذا التراجع الذي حصل خلال السنوات الماضية، ودفعاً للثمن الكبير الذي ستدفعه في السنوات المقبلة، لابد من إشغال روسيا في أوكرانيا على طريقة ما فعلته أمريكا في الاتحاد السوفييتي يوم احتل أفغانستان أواخر السبعينيات، ولذا فإن الحرب الأوكرانية بالنسبة إليهم قد تكون فرصة لإشغال روسيا أولاً، وثانياً لمنح أمريكا والغرب فرصة لالتقاط أنفاسهم، سعياً لملاحقة الصين وروسيا اللتين سبقتاهم في ملفات وساحات دولية عدة.