10 سبتمبر 2025
تسجيلأولاً- أخلاقٌ ترتقي بالإنسان حضارتنا الإسلامية لا تقتصر على العبادة فقط، بل فيها ما يسمو بالأخلاق، ويرتقي بالإنسان، والمقومات الأخلاقية هي ما يميزنا عن الحضارات الأخرى، التي ربما سبقتنا في التقنيات وبناء المصانع، واتساع الصادرات، وتقدمت علينا في التكنولوجيا، لكن أخلاقها في الحضيض، فهي لم تراع هذا الجانب. ولأهمية الأخلاق في بناء المجتمع الإسلامي قال النبي (((إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)) رواه البيهقي في شعب الإيمان. وقال الشاعر المتنبي موصياً بحسن الخلق وإن كان المرء فقيراً معدماً: لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ وقد بينت مرارا أن الفكرة المنتشرة بأن الغرب يتفوق علينا أخلاقيا هي فكرة باطلة إنما هو يتقيد بقوة القانون فإن تلاشت قوته ظهرت عوراته، وقد ظهرت عوراته في مواطن كثيرة لا يجهلها متابع. - منهج الإسلام في بناء الأخلاق للإسلام منهجيته الفريدة في بناء الأخلاق التي ترتقي بالإنسان، وتقوم هذه المنهجية على مجموعة من الأسس أهمها: (1) ربط الأخلاق بالإيمان وبالمصير في الآخرة، وفي هذا يقول النبي محفزاً على الأخلاق الحسنة ((أَتَدْرُونَ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)) أحمد وفي حديث آخر يقول رسول الله (((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)) أبو داود ويقول (رابطاً الأخلاق بالآخرة ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلي وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا)) الترمذي. 2) جعل الإسلام تحسين الأخلاق من مقاصد العبادات، فنحن لم نؤمر بالصلاة أو الصيام أو الحج فقط لأجل العبادة، بل لينعكس أثرها على سلوكنا وحياتنا، لذا قال ربنا تبارك وتعالى عن الصلاة (.. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )العنكبوت/45 وقال تعالى عن الزكاة وحكمة مشروعيتها (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا.. )التوبة/103 وقال تعالى واصفاً الحج المبرور المقبول (الْحَجُّ أشهر مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )البقرة/197 وقال النبي عن شهادة الزور وأثرها على عبادة الصيام ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) الترمذي (3) الأخلاق ثابتة وليست متغيرة أو نسبية، فالمسلم –مثلاً- لا يغدر، لا في حالة السلم ولا في حالة الحرب، لأن الغدر خيانة وخلق ذميم، نهى الإسلام عنه، والحرب لا تُعتبر سبباً كافياً، أو عذراً مقبولاً لتغيير الأخلاق أو تبديل القيم، ففي حال وجود معاهدة بين المسلمين والكفار، وخشي المسلمون من غدر الكفار وانقلابهم، فإن هذا السبب لا يُعدّ كافياً لنخون العهد ونهجم عليهم ونحاربهم، بل طالبنا الله تعالى بأن نعلمهم بانتهاء المعاهدة التي بيننا وبينهم، فقال جلّ وعلا (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )الأنفال/58 - قيمة الأخلاق تحكم كل شيء كان معاوية بن أبي سفيان (يسير في أرض الروم، وكان بينه وبينهم أمد (عهد)، فأراد أن يدنو منهم، فإذا انقضى الأمد غزاهم، فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر.. الله أكبر، وفاء لا غدراً، إن رسول الله (قال: ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلَّنَّ عقدة ولا يشدها، حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء" فبلغ ذلك معاوية، فرجع، وإذا الشيخ عمرو بن عبسة )"رواه أبو داود الطيالسي. (4) التخلية قبل التحلية، أي التخلي عن الخلق السيئ، تمهيداً للتحلي بحسن الخلق، فقبل أن تغرس الأخلاق الحسنة في الإنسان، لا بدّ أن نصفيه من الأخلاق السيئة. ثانياً- الحرية الخادمة للفضيلة الأخلاق في حضارتنا ترتقي بالإنسان، مما ينعكس إيجابياً على سلوكه وعلاقته بالآخرين، أما في الغرب فانسلخ الناس عن الأخلاق باسم التقدم والحرية، مع أن الحرية كلمة جميلة ورائعة ومطلب حرص عليه الإسلام، لكنها حرية تخدم الفضيلة ولا تحاربها، وتكون عوناً على الخير لا الشر. لا حضارة فاعلة بلا حرية، والحضارة الإسلامية تتيح حرية التدين، وتكفل حرية التعبير، لكنها حرية مسؤولة لا تنفصل عن الأخلاق، وحرية مشروطة بعدم الانحلال والإساءة إلى الآخرين، وهذه الحرية المنضبطة غير موجودة في الحضارات الأخرى، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى دليل. - المرأة في الغرب يتغنى الغرب بحريته في شتى المجالات، وباسم هذه الحرية تنتهك خصوصيات الناس، وباسم الحرية ينتشر الانحلال الأخلاقي، وباسم الحرية تنحط قيمة الإنسان، وقضية المرأة خير مثال على الحرية الخادمة للرذيلة، والمعينة على الانحلال الأخلاقي، المرأة في الغرب عبارة عن سلعة تباع وتشترى كما تباع السلع الأخرى، وصارت رمزاً للجسد والجنس، بدل الرقي والعفة، وفي أحسن الأحوال يُنظر للمرأة في الغرب على أنها وسيلة لبيع السلع واستقطاب الزبائن، ودائما ما أتساءل ما العلاقة بين أن ينزل إعلان لمشروب غازي ويكون معه امرأة شبه عارية، حتى لو أرادوا أن يعلنوا عن سيارة جديدة أقحموا المرأة في الإعلان، فالرسالة إذن استجلبوا نظر الرجل للسيارة من خلال المرأة العارية، وخلاصة الأمر أن المرأة في الغرب تحولت إلى سلعة جنسية ومتعة جسدية. - شاهد من أهلها عن وضع المرأة في الغرب نكتفي بشهادة " غورباتشوف" الرئيس الأسبق للاتحاد السوفييتي سابقاً، حيث يقول ".. في غمرة مشكلاتنا اليوميّة الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميّزة المختلفة بدورها أماً وربّة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال" ويتابع فيقول: "... فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء والإنتاج وقطاع الخدمات، وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بشؤون الحياة اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزليّة، وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوك الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربويّة وحتى إنتاجية، إنما يتعلّق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية". وسنتابع في المقال القادم بمشيئة الله الحديث عن الحرية في الإسلام.