11 سبتمبر 2025
تسجيلأمتنا أمة عظمية، ذات منهج عظيم، ورسالة عالمية عظيمة، من قبلُ قادت هذه الأمة البشرية، وأحسنت قيادها، وساساتها بما حقق للبشرية السعادة والطمأنينة، ثم أصيبت بأمراض شتى، جعلتها في ذيل الأمم، لكنها – بإذن الله تعالى- قادرة على أن تقود البشرية من جديد، وتسود الأرض مرة ثانية، لكن أمر السيادة والريادة لا يتم بالأماني والشعارات، ولا بالشكوى والبكاء، الريادة والسيادة طريقهما التخطيط الدقيق، والعمل الجاد الدءوب، فلا بد لنا من وضوح في التخطيط، وجدية في العمل، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن كل ساعة نقضيها في التخطيط ستوفر علينا (٤) ساعات عند التنفيذ. الصحة والتعليم الأساسي وحيث إننا ماضون في هذه المقالات بطرح مشاكلنا مع تقديم رؤية وأفكار لها، فإننا سنبحث خلال هذا المقال وما بعده مشكلة الصحة والتعليم الأساسي في أمتنا الإسلامية، ولعل شهر رمضان الذي فرض فيه الصوم لصحة المؤمنين ونزل فيه قول الله تعالى (اقرأ) يكون حافزا لنا في الحديث عن هذين المجالين. أفضل ست دول في العالم في معيار الصحة والتعليم الأساسي * المركز الأول: بلجيكا * المركز الثاني: فلندا * المركز الثالث: سنغافورة * المركز الرابع: آيسلند * المركز الخامس: نيوزيلندا * المركز السادس: كندا هذه هي الدول الأفضل في العالم في معيار الصحة والتعليم الأساسي، فإذا أردنا أن نقتدي فبهم، ولا مانع من أن نقيس أنفسنا بما لديهم، ثم نعدل على الخطط بما يتناسب معنا، فأحد قوانين الإبداع يقول: قلّد أفضل الموجود ثم عدل. معيار تميز الصحة والتعليم الأساسي لدول الخليج العربي ومصر الرسم البياني التالي يبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار الصحة والتعليم الأساسي. * حصلت الإمارات على المركز (37) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (35) * الكويت حصلت على المركز (66) * السعودية حصلت على المركز (72) * عمان حصلت على المركز (96) * قطر حصلت على المركز (15) * مصر حصلت على المركز (88) ويحق لنا هنا أن نفخر بدولة قطر العربية، التي نالت المركز (15) على مستوى العالم في معيار الصحة والتعليم الأساسي، أي أنها تفوقت على كثير من الدول الكبرى المتقدمة، مثل أمريكا وبريطانيا والصين. معيار الصحة كيف يقاس..؟ يقاس معيار الصحة في الدول بعدة أمور أهمها: (1) ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻷوﺑﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ ومدى اﻧﺘﺸﺎرها خاصة اﻹﻳﺪز واﻟﻤﻼرﻳﺎ واﻟﺴﻞ. (2) ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت ﺑﻴﻦ اﻷﻃﻔﺎل. (3) ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ أولا: ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻷوﺑﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ ارتبطت كلمة الوباء (Epidemic) بحدوث مرض معدٍ وانتشاره بشكل واسع بين كثير من الناس في وقت واحد، فهو انتشار مفاجئ وسريع لمرض معين، في بقعة جغرافية، بمعدل فوق المعدل الطبيعي المعتاد. ولطالما شكّلت الأوبئة مصدر قلق للدول، وتحدياً كبيراً للطب والأطباء وكل من يقدم الرعاية الصحية للناس، بما تسببه من هلاك للأنفس، وإنفاق هائل للأموال، فوباء الملاريا –مثلاً – يحصد أرواح مليون طفل سنوياً، أي بمعدل طفل كل (٣٠) ثانية. في الماضي كانت الأوبئة تشكل خطراً رهيباً، بسبب الجهل وضعف الرعاية الصحية، وعدم توافر العلاج الناجع، واليوم أيضاً ما زالت الأوبئة تشكل تهديداً للدول، ليس بسبب الجهل، ولكن بسبب سرعة الانتشار بين الناس، لأن انتقال الناس وتواصلهم أصبح أسرع وأوسع من ذي قبل. وباء الطاعون ما زالت الصحة تشكل تحدياً أمام رواد التطوير والبناء الحضاري، فلا يمكن أن تتقدم أي دولة طالما بقي معيار الصحة لديها متخلفاً، ولنأخذ مثالا على ذلك وباء الطاعون الذي تنقله الفئران، وأطلق عليها الناس اسم " الموت الأسود " (Black Death). بين عامي (1347-1352)م اجتاح الطاعون أنحاء واسعة من أوروبا، وتسبب في موت (60) مليون إنسان، أي ما يعادل ثلث سكان القارة آنذاك. لذا فأي دولة تكون مهيأة لانتشار الأوبئة هي دولة ضعيفة، لا يمكن الاعتماد عليها في التنمية والتطور، ولأننا نخطط لبناء حضارة عالمية لتسود، لا يمكن أن نهمل هذا الجانب، أو أن نغض الطرف عنه، ويمكننا محاصرة الأوبئة من خلال الاستفادة من التطور الإداري وتطويع التقنية لهذا الهدف. - SARS مرض (SARS) هو مرض معدٍ يصيب الجهاز التنفسي، ظهر لأول مرة في عام (2003)م، فأصيب الناس على مستوى العالم بالذعر الشديد، والخوف الرهيب، مما دفع دولاً كثيرة إلى دفع تكاليف باهظة لمواجهة هذا المرض، ومن تلك الدول كانت " كندا " التي تشير الأرقام إلى أن تكاليف مكافحة المرض بين عامي (٢٠٠٣-٢٠٠٦)م، بلغت (٨٠٠) مليون دولار، مع أن عدد المصابين لم يتجاوز (160) حالة. واعترفت الجهات الصحية فيما بعد أنها وقعت فريسة للإعلام الموجّه، والذي بالغ في تضخيم المرض، وأنها لو استفادت من هذه التكاليف، واستغلت تلك المبالغ بشكل صحيح، لأصبح لديها نظام معلوماتي صحي متطور. انتشار الأوبئة من المؤشرات التي يقاس بها معيار الصحة في دولة ما، مراقبة ثلاثة أوبئة هي اﻹﻳﺪز واﻟﻤﻼرﻳﺎ واﻟﺴﻞ، لأنها أمراض قاتلة وواسعة الانتشار، فمثلاً وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن (40%) من سكان العالم مهددون بخطر الإصابة بالملاريا. ولقد حاز الإسلام قصب السبق حين دعاء إلى ما اصطلح على تسميته حالياً بالحجر الصحي، حيث يقول النبي "إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ أَوْ بَقِيَّةٌ مِنْ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ قَوْمٌ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ" أحمد عمر يطبق الحجر الصحي لقد طبّق عمر بن الخطاب (مفهوم الحجر الصحي في زمانه، فيما عرف بطاعون " عمواس" الذي مات فيه أمين هذه الأمة، أبو عبيدة عامر بن الجراح (، فعن عبد الله بن عباس "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءَ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ..." البخاري أوروبا في القرون الوسطى قارنوا هذا بحال أوروبا في القرون الوسطى، الذي يصفه " كينيث ووكر" حيث يقول في كتابه "تاريخ الطب " إن ظهور الأوبئة وبشكل خاص الطاعون كان يعزى إلى أسباب إلهية، وهذا يعني عقاب البشر بسبب ذنوبهم " وهذا الأمر يسبب للناس شعوراً بالألم، وإحساساً بالذنب، مما يدفعهم إلى حالات من الهستيريا الجماعية، مثل أن يجتمع المريض بالطاعون مع غيره في ذات الكنيسة، دون تطبيق لأدنى قواعد الحجر الصحي، فترى الكنائس وقد امتلأت بالمصلين والمبتهلين، ومع ترنيمات الصلوات كنتَ تسمع أنين المرضى المصابين بالطاعون، فيزداد المرض انتشار واتساعاً بين الناس.