20 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب في أوكرانيا في عامها الثاني

28 فبراير 2023

دخلت الحرب في أوكرانيا يوم الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط عامها الثاني، وسط مؤشرات على احتدامها أكثر من السابق، ووسط توقعات بأن الطرفين يغوصان بالوحل هناك أكثر فأكثر، بينما يرى خبراء ومحللون أن الحرب هناك قد غيّرت وجه أوروبا وروسيا، بحيث لم يعد وجه هذه البلدان هو نفسه في مرحلة ما قبل الحرب، لاسيما وقد رأينا التصعيد في لهجة الرئيسين بوتين وبايدن الأخيرة عشية الذكرى السنوية الثانية للحرب، وهي اللهجة التي ذكرتنا بلهجات الرئيس الأمريكي رونالد ريغان وقادة الاتحاد السوفياتي أيام الحرب الباردة، مما يعكس مدى الإصرار على المضي قدماً في تحقيق كل طرف أهدافه والغايات التي رسمها من أجل فرض أجندة جيواستراتيجية تتناسب وتتلاءم مع رغباته وطموحاته. دون شك فإن أوروبا اليوم تقع في فوهة المدفعية، وتقيم على خط زلزال حرب أوكرانيا، بينما تكتفي أمريكا بالدعم والمساندة وهو أمر قد لا يكلفها الكثير على الأقل حالياً، في ظل النأي الجغرافي عن منطقة الحروب، لكن التنسيق والمؤشرات التي تظهر بين الفينة والأخرى في العلاقة الروسية ـ الصينية تقلق الأمريكيين وتكشف عن مدى مخاوفهم من دخول الصين لهذه الحرب، لاسيما بعد اتفاق شراكة بلا حدود وإرسال أسلحة ومعدات صينية إلى روسيا دعماً لحربها في أوكرانيا، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وغيره من المسؤولين إلى التحذير من مغبة هذا التعاون، بل والعمل على التصدي له. وجه أوروبا لم يعد هو نفسه، ووجه روسيا في مرحلة ما بعد زلزال حرب أوكرانيا لم يعد كذلك، فعادة ما تغير الحروب وكذلك الكوارث الطبيعية كالزلازل ونحوها في سياسات الدول وفي أسبقياتها وأولوياتها، فإما أن تتقاعد عن واجبات كانت تقوم بها في مرحلة ما قبل الزلزال، أو تنشغل في أولوياتها الداخلية ومشاكلها في لملمة جراحاتها والتعافي من كوارث زلزال حرب أو زلزال طبيعي. من الصعب التكهن بطبيعة وجه أوروبا وروسيا اليوم، وإمكانية انزلاق قوى جديدة في الحرب الأوكرانية مستقبلاً، لكن بالتأكيد فإن العالم الذي نعيشه اليوم ما بعد أوكرانيا لم يعد هو نفسه، وإن القوى المؤثرة في الشأن الإقليمي والدولي والمحلي لم تعد هي نفسها، فقد يسفر ذلك عن بروز قوى وتراجع أخرى، بل وفي غياب دول مؤثرة كانت بالأمس لصالح دول لم تكن على مسرح السياسة الدولية، ولكن كل ذلك مرهون باستمرارية الحرب، أو بوقفها، بيد أن كل المؤشرات الدولية تشير إلى استمراريتها، إذ إن استمرارها اليوم هو بوليصة تأمين للحكم في موسكو، كما أن استمرارها اليوم هو رغبة أمريكية في استنزاف ساكن الكرملين، واستنزاف أوروبا التي سعت في فترة من الفترات إلى التمرد على أمريكا، لتعود اليوم، وتشعر أنها بحاجة إلى المظلة الأمريكية أكثر من أي وقت مضى لمواجهة روسيا. وجه المنطقة هناك، ووجه العالم المتدخل كذلك لم يعد كما هو، وبالتالي فمستقبل وجه المنطقة ليس في أوكرانيا وحدها، وإنما في العالم كله نتيجة تدخل قوى كبرى وإقليمية فيها، تعد لاعباً قوياً ومؤثراً في منطقتنا العربية، وما على المراقب العربي إلا أن يراقب، ليرى مدى انعكاسات ذلك كله على منطقته، بحيث يتم تعزيز الفرص، وتجنب التهديدات والتحديات.