«اللي ما شافوا خير»

«ما شاف خير» عبارة تطلق في مجتمعنا على حديث النعمة الذي سقطت عليه الثروة فجأة، فأحدثت دوياً قلب كل حياته ليس مع نفسه وانما مع جميع محيطه، فبدأ ينتقم من ماضيه بتضخيم حاضره، وشراء الجاه والصيت بعد ان جاءت الثروة، ظاهرة الثري «الفقاعة» التي شهدناها في العقدين الاخيرين، أعتقد ان لها دورا سلبيا بالنسبة للفرد ودوره وطموحه في المجتمع، كذلك لها دور سلبي فيما يتعلق بالمجتمع ذاته ودور التعليم والتحصيل في تطوره وتقدمه. في اعتقادي أن أخطر ما تعرضت له العلاقات الاجتماعية في مجتمعنا القطري المتحاب والمترابط، هو دخول المجتمع في مجال الأعمال «البيزنس» ليس بعقلية التاجر الذي تدرج في بناء أعماله وعلاقاته، وإنما بعقلية «الحظوة» والاختيار والانتقاء، أثر ذلك كثيرا في نمط العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع بعضهم البعض، وبينهم وبين السُلطة فاتجهت العلاقات فيما بينهم إلى الذبول، بما أوجد بشكل واضح علاقة «زبائنية»، زادها تقلد المنصب الحكومي إلى جانب الوجاهة الاجتماعية رأسية على حساب العلاقة الأفقية بين أفراد المجتمع، فخلت المجالس إلا من صاحب مصلحة، وتكدس الزوار في مجلس صاحب المنصب حتى يقال أو يستبدل، وزادت الشللية الاجتماعية والتجارية داخل المجتمع، وأخذت العلاقات تتشكل على أساس معايير أخرى أقل إنسانية، ونظرا لطبيعة «البيزنس» السرية، تطلب الوضع والعلاقات نموذجا آخر لم توفره ثقافة المجلس الشائعة سابقا، فاكتظت المجالس بأشكال انتهازية على استعداد لتقديم وتسهيل الأمور بعيدا عن ثقافة المجتمع إذا استلزم الأمر، إلا أنني كنت ألاحظ استمرار وفاء لا يزال قائماً بين أبناء الفرجان وإرادة وتمسكا بعاداتهم وزياراتهم لبعضهم البعض، رغم هجمة التغير المكاني والمادي السريع الذي يشمل جميع أجزاء ومناحي البلاد. العلاقة الزبائنية خطرة على السلطة أكثر من خطرها على المجتمع، لأنها تعطي مؤشرات وهمية وغير دقيقة لها، تقول إن كل شيء على ما يُرام، والحقيقة تحكي قصة أخرى، وثقافة المجتمع قديماً كانت تزدري مثل هذه العلاقة الزبائنية، أما مجالس اليوم فإنها تمجد هذه الثقافة بل وتنتجها كلما آن لها أن تتبدد أو أن تختفي. اشكالية رجل الاعمال بالحظوة «حديث النعمة» انه يريد ان يريك ثراءه وما يملك وقد يعلي في البنيان لكي تراه ويرفع الصوت لكي تسمعه، وكأنك في غفلة من امرك، ليكشف عنك غطاءك فتبصر ما يملك بنظر من حديد، اسألوا توزيع الريع عن السبب؟.