19 سبتمبر 2025
تسجيلاستئنافاً للمقال السابق حول الكتلة أم وعي النخبة؟ رغم ما لمفهوم الكتلة التاريخية من جاذبية وبريق فى الخروج من مأزق الأمة، وما يعانيه من انسداد، إلا أن خروج الدولة العربية من قصورها الجيني يبدو أمراً حاسماً في تشكل ونجاح أي كتلة، حيث أصبح سقف النخب فيها لا يتعدى فائض الريع وتفضيل الحاضر على المستقبل، والجيل الحالي على الأجيال القادمة في المشكلة تحقق الاستقلال ثم ماذا بعد؟ سقطت في فجوة قصور الدولة الذاتي وتحولت هي في ذاتها إلى انسداد يحتاج إلى كتلة أو كتل أخرى. أنا أعتقد أن بناء الدولة فى الغرب جعل من مفهوم الكتلة فاعلاً ومؤثراً، ويمكن البناء عليه لأسباب عديدة، منها أن الدولة كانت قد اكتملت النمو بوجود جميع عناصرها الداخلية كالمجتمع المدني والطبقة البرجوازية والقاعدة الانتاجية، فلذلك لم تكن الكتل مجرد تجمع إيديولوجيات، وإنما تجمع مصالح كذلك. هذه الأمور مفتقدة تقريبا بشكل كلي في مجتمعاتنا، زد على ذلك الاقتصاد الريعي واستخدام الدين الذي لن تخرج أي كتلى مهما قامت من حضوره بقوة وبعلو جزئي وشمولي على غيره فى باقي أجزاء الكتلة لو قامت. كل هذه الأمور يجعل من الأهمية بمكان إلى الإشارة إلى أن أسباب الأزمة هى أسباب تاريخية تتمثل فى قصور ولادة الدولة العربية أو عدم اكتمال مرورها بجميع مراحل النمو للدولة الحاضنة وليس للدولة النتوء عن بقية مكوناتها. طبعا الأمر محزن لأنه لا يمكن إعادة التاريخ، خاصة وأن العصر اليوم والعولمة غيرا من شكل الدولة وتحالفاتها وارتباطها، وجعل من المصالح خيوطاً متشابكة، بحيث يعتمد أحدهما على الآخر ويحمي أحدهما الآخر. أدى القفز على مرحلتي تكوين المجتمع المدني الحر وقيام برجوازية وطنية، أو طمس وجودهما إلى استبداد الدولة، الأمر الذي جعل من قيام كتلة تاريخية فاعلة أمرا صعبا وربما مستحيلا. حضور الدولة اليوم لا يمكن تجاوزه بعد قيامها تحت أي شكل كانت لذلك الاتجاه السائد اليوم والوحيد هو المطالبة بالحقوق من داخلها فقط، فلربما يكون مفهوم الكتلة هنا قائما ومؤثرا وبعيدا عن الاستقطاب الذى تستعمله الدول ببراعة كبيرة. ما أود الإشارة إليه أن مجتمعاتنا الخليجية كانت تستخدم بشكل أو بآخر مفهوم الكتلة داخليا وبنجاح كبير عندما ترى خطراً يهدد المجتمع ويضر بأفراده، وذلك عن تشكل مجموعة من الوجهاء نيابة عن المجتمع لمخاطبة المسؤولين ومطالبتهم بإيجاد حلول كذلك لمشاكلهم وقضاياهم. لارجوع عن الدولة والحل الوحيد والممكن هو التحسين من شروط بقائها وإعادة توازناتها الداخلية عن طريق الطلب الداخلي المُلح. [email protected]