17 سبتمبر 2025

تسجيل

مشروع فهم لا مشروع إصلاح

28 يناير 2020

إذا كف الماضي عن أن يكون قيماً على الحاضر، فنحن نمر في طور الإصلاح، لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها قول لا يمكن التأكد منه بل ليس صحيحاً، تثبيت الماضي بشروطه القائمة حينئذ على الحاضر المتغير. مثل هذه الأقوال المنتشرة والمتداولة دينياً واجتماعياً تشطح بفكر الإنسان إلى أبعد نقطة من الاختزال وعدم إشغال الفكر والتوقف عند الماضي كنموذج في معاكسة واضحة للفكر السليم وللمنطق القويم. كيف يصلح الماضي الحاضر؟ يتم ذلك حينما يتوقف الماضي أن يكون نموذجاً للتكرار ويتحول إلى مشروع للفهم فقط. فلذلك يمكن استعادة المقولة كالتالي لن يصلح أول الأمة إلا حين يصلح آخرها؛ بمعنى أنه لن يكون مشروعا للفهم إلا إذا تخلص آخر الأمة منه، كقيد وكمشروع استعادة جاثم على الأذهان. مشروع استعادة الماضي هو الأساس مشروع استبدادي بدرجة كبيرة، بل أنه أبو الاستبداد الديني والسياسي الذي تعايشه الأمة. لم نفهم العصر الأول بل اكتفينا بترديد مقولاته واختزلناه إلى إفيهات" بلغة التمثيل تردد وتدخل في الأدمغة دون وعى ولا إدراك، يعززها من يعتلي المنابر دون يقظة حقيقية بتبدل الحال والزمن. إذا أول الأمة صالحاً فإصلاحه ذاتي ولا يمكن تمرير ذلك الإصلاح إلا بشروط الزمن المتغير، فبذلك قد لا يكون ذلك الإصلاح في تلك المرحلة هو نفسه ما يتوجبه الزمن وشروطه في مرحلة أخرى، فهو حالة من الإصلاح وليس مشروعاً للإصلاح أبعد من زمنه وشروطه. أن يتحول أول هذه الأمة إلى مشروع للفهم لا يمكن إعادته ولكن يمكن استيعابه، هو الحل الوحيد والممكن. الوعى الإيماني بذلك يجب أن ينتقل من استحالة إعادة الماضي والتركيز عليه دعوياً وخطابياً إلى الدعوة إلى فهمه ودراسة شروطه المعرفية وكسر نمطية الأقوال المبسترة التي تعبر الزمن والجغرافيا والعصور دون إدراك لخطورتها وما تركزه من أفكار طوبائية تعيش الأمة في تصورها وتخيلها دون قدرتها على تحقيقها، فتبدو الأمة وكأنها حالمة في وقت اليقظة بل ويطول بها الحلم ولكن دون أن تستلذ بحلو منام. [email protected]