12 سبتمبر 2025

تسجيل

آل سعود والقضية الفلسطينية

28 يناير 2018

وردت في الأخبار أنباء عن زيارة سرية قام بها ولي عهد السعودية إلى إسرائيل، ولاحظنا تنامي التقارب، وسرعة محاولات التطبيع، مع الكيان الصهيوني. فالذي حدث أن ما كان يتم بالخفاء أصبح في العلن. وحتى نفهم تطور الأحداث لا بد من البدء بوعد بلفور. ففي عام 1917 أرسل بلفور رسالة إلى روتشيلد يشير فيها إلى تأييد بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. في هذا الوقت لم تكن مملكة ابن سعود قد اكتملت أركانها، وكان من المهم لابن سعود، الذي كان يريد من بريطانيا تعزيز ملكه، والقضاء على خصمه ابن الرشيد، أن لا يعارض أي شيء تقوم به بريطانيا. أما ملك الحجاز، حسين بن علي الهاشمي، فقد رفض القبول بقرار بريطانيا. عرف الإنجليز أن موقف حسين لن يلين، فما كان منهم إلا أن عقدوا اجتماعاً في ميناء العقير، عام 1920، مع ابن سعود واتفقوا معه على أنه إذا ساعدهم في إنشاء الوطن القومي لليهود فإنهم سوف يساعدونه في الاستيلاء على مملكة الحجاز. فبخطط الإنجليز وأسلحتهم، وبقوة الإخوان الضاربة، استطاع ابن سعود الاستيلاء على كامل الحجاز. ومن أخطر الأمور التي قام بها ابن سعود هو إخماده لثورة 1936 التي قامت في فلسطين ضد المستعمر الإنجليزي. فلقد أدى مقتل عزالدين القسام (شيخ المجاهدين) على يد الإنجليز، في نهاية 1935، إلى غضب الفلسطينيين وقاموا بثورة وإضراب شامل ضد الإنجليز (يقال أنها استمرت 183 يوماً)، فقدت بريطانيا على إثرها السيطرة على كل من القدس ونابلس والخليل. وحاولت بريطانيا قمع هذه الثورة ولكنها لم تستطع، عندها لجأت إلى ملك الأردن والذي بدوره فشل فشلاً ذريعاً في إيقاف الثورة، عندها لم تجد بريطانيا أمامها سوى ابن سعود، الذي عرف عنه الخبث والدهاء، لتلجأ إليه. بعث ابن سعود برقية "نداء" للفلسطينيين يقول فيها "لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين فنحن بالاتفاق مع ملوك العرب والأمير عبدالله ندعوكم للإخلاد إلى السكينة وإيقاف الإضراب حقناً للدماء. معتمدين على الله، وحسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم". أحدثت هذه البرقية، والبرقيات التي تلتها، إنقساماً لدى الشعب الفلسطيني. وزاد الانقسام بوصول فيصل بن عبدالعزيز إلى القدس، والذي أظهر للفلسطينيين الغبطة والفرح بأنه سيصلي في بيت المقدس، وبأنه سيلتقي بالثوار. وأقسم لهم بالله العظيم أن بريطانيا صادقة في وعدها بحل القضية الفلسطينية بعد أن انتهاء الثورة. وبهذا انتهت ثورة 1936 التي كادت أن تنهي الاستعمار البريطاني لفلسطين لولا تدخل ابن سعود وابنه. وتبين الوثائق البريطانية أن ابن سعود دخل سراً، في 1943، بمفاوضات مع كل من حاييم وايزمان (رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين) وروزلفت (الرئيس الأمريكي) بحضور جون فليبي (مستشار ابن سعود) لبيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه استرليني. ولكن عندما سرب فليبي الخبر، انسحب ابن سعود "علنياً" من هذه المفاوضات. ومما ورد في الوثائق، ومما كتبه ابن سعود كإقرار على نفسه "بأنه لا يمانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود"، يبين بشكل واضح أنه استمر بالمفاوضات، وبأنه فعلاً باع فلسطين. أعلنت بريطانيا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أنها ستنهي الانتداب البريطاني على فلسطين في 15/5/1948. وفعلاً خرجت بريطانيا من فلسطين بعد أن تم تقسيمها إلى دولة يهودية وأخرى فلسطينية وتدويل منطقة القدس. عارضت الدول العربية (مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان) قرار بريطانيا بتقسيم فلسطين فقامت في 1948، وكما تدعي تلك الدول، بشن هجوم عسكري لطرد اليهود. ولكن تلك الدول دخلت الحرب ولم يكن لديها رغبة أكيدة في طرد اليهود، بل كانت لها أهداف أخرى، منها إيقاف تدفق المجاهدين إلى فلسطين، وبالأخص المصريين والليبيين والسعوديين، والظهور أمام شعوبهم بأنه يؤلمهم ما يحدث في فلسطين. أما اليهود فكانت أهدافهم واضحة فحسب تصريح بن جوريون أن "خطوط التقسيم هي البداية وليست النهاية". إن دور ابن سعود في حرب 1948 كان واضحاً وهو الحيلولة دون طرد اليهود من فلسطين، ولهذا فقد قال وايزمن، مؤسس دولة اليهود، "لقد تعاونت بريطانيا وابن سعود وأمريكا على دعمنا بأشياء أعلنت، وأشياء "أهمها" لم يعلن". ولأن ابن سعود يعرف قدرة المجاهدين السعوديين فقد احرجه تدفقهم للجهاد في فلسطين فقرر مسايرة الوضع وفتح باب جمع التبرعات لنصرة أهل فلسطين. زادت أعداد السعوديين المتوجهين للجهاد فما كان من ابن سعود إلا أن أعلن انضمامه للجيوش العربية، ولكن ليس حباً في فلسطين، بل لأن بريطانيا طلبت منه ذلك حتى لا تحدث مجازر وتهجير للشعب الفلسطيني من قبل اليهود، وأيضاً لخشيته من توسع نفوذ ملك الأردن، عبدالله بن الحسين، والحيلولة دون سيطرته على فلسطين بكاملها. وأبرقت السعودية للجنة الجامعة العربية العسكرية عن أسلحة معدة لمساندة الحرب في فلسطين. أرسلت الحكومة السورية طائراتها لنقل تلك الأسلحة، فكانت المفاجأة أنها عندما وصلت وجدت أنها أسلحة قديمة صدئة لا تصلح للاستعمال. قام رؤساء الوفود العربية في الأمم المتحدة بإرسال برقية إلى ابن سعود لتهديد أمريكا بقطع النفط إذا اعترفت بإسرائيل، فرد عليهم أن الأمريكيين "أهل ذمة" وأن حمايتهم وحماية مصالحهم واجب ومنصوص عليه في القرآن ألكريم. وحدثت النكبة وانهزمت الجيوش العربية وأبدى ابن سعود حزنه الشديد وكان سبب حزنه، كما يقول فليبي، ليس هزيمة الجيوش العربية بل يعود إلى انتقال الجزء الغربي من فلسطين إلى الأردن والذي كان يفضل ضمه إلى دولته أو إلى إسرائيل. وبعد ثبوت قضية الأسلحة المغشوشة على ملك وحكومة مصر، قام "الضباط الأحرار" في مصر، في 1952، بثورتهم. خاف ابن سعود من امتداد الثورة لبلاده وبخاصة أن الثورة المصرية تنادي بالقومية العربية، وقيام وحدة بين الدول العربية. توفى ابن سعود في 1953 وانتقل الحكم إلى ابنه سعود، الذي في عهده حدثت حرب اليمن بين المملكة المتوكلية والجمهورية العربية اليمنية. فقامت كل من السعودية والأردن وبريطانيا بمساندة المملكة المتوكلية، في حين دعمت مصر توجه الجمهوريين. وفي عام 1964 "تنحى" سعود عن الحكم إلى أخيه فيصل. ومن فيصل بدأت فصول جديدة. فقد قام فيصل، في عام 1966، بالكتابة إلى الرئيس الأمريكي (نفس الوثيقة التي عرضها علي صالح قبل مقتله) يقول فيها "إن القوّات المصريّة لن تنسحب من اليمن، إلاّ إذا احتلّت إسرائيل سيناء والضفّة الغربيّة وغزّة، أو فإنه لن يأتي عام 1970 وعرشنا في الوجود" وأضاف في رسالته "لابد من استيلاء إسرائيل على بقية فلسطين حتى لا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وينتهي حلمهم بالعودة إلى بلادهم". وقال في رسالته "يجب اقتطاع جزء من سوريا حتى تنشغل بنفسها بعيداً عنا". وبناءً على هذه التوصية قامت حرب 1967 التي احتلت فيها إسرائيل كل المناطق التي اقترحها فيصل (ما عدا غزة)، بالإضافة إلى الجولان السوري. ويقول الملك حسين بأن فيصل لم يسارع إلى وقف الزحف الإسرائيلي في 1967 بل سارع في 1970 إلى إبادة المقاومة الفلسطينية التي كانت مشتبكة مع الإسرائيليين في أغوار الأردن. وفي 6/10/1973 قامت الحرب بين سوريا ومصر ضد إسرائيل، وكما كشفته وثائق ويكيليكس، فإن فيصل كان مستاءً من قيام الحرب. وعندما طلب منه السادات استخدام النفط كأداة ضغط سياسية رفض ذلك. وعندما أعلنت منظمة الدول العربية المصدرة للبترول "أوابك" في 15/10/1973 حظر نفطي على الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ماطل فيصل في تنفيذ الحظر ولكنه، في 19/10/1973، أجبر، لتفادي حالة الغضب التي سرت بين الشعوب العربية والمسلمة على السعودية، على تفعيل الحظر النفطي "صورياً" فقط، ولكن الإعلام الموجه صنع من فيصل صورة غير دقيقة وجعله بطلاً قومياً. وتلت هذه الحرب أحداث كثيرة ولكنني أتوقف عن سردها بسبب مساحة المقال من جهة، ولأن معظم هذه الأحداث معروفة للجميع من جهة أخرى. وفي الختام نقول أنه أمر غير مستبعد أن يكون آل سعود خلف قرار الرئيس الأمريكي بأن القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني. ففي أي ضياع لحق عربي أو إسلامي فسوف تجد حضوراً قوياً للسعودية فيه. والله من وراء القصد،،