23 سبتمبر 2025
تسجيلمن قال إن الحصار كان منحة فقد صدق، مصطلحات تجاوزت مفرداتها اللغوية المعجمية لتبرز معانيها على أرض الواقع، جعلت الإنسان القطري في سباق محموم مع الزمن، ليتجاوز الأزمة، فالإبداع والإنتاج والطموح والتحدي، اتخذت موقعها في عقله من التخطيط والدراسة والتنفيذ وأخرجته من شرنقة الاتكالية والاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات، حاملا شعار "الوطن لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه" "وإن المحن تخلق الإبداع"، عالقا في ذهنه ما قاله الشيخ تميم، "قطر تستحق الأفضل من أبنائها"، ليثبت وجودها في واقعه المجتمعي، ها نحن نرى إنجازات وطنية تتحدث عن عقلية أصحابها وفكرهم، وأعمال إنتاجية محلية شقّت طريقها في مجالات مختلفة اقتصادية وعلمية وفنية، ومشاريع متقدمة بجهود متسارعة تزداد يوما بعد آخر لتعزيز الأمن والاستقرار، والحاجة أبهرت العالم، وتجاوزت أسوار الحصار، أبدع الفنانون باختلاف فنونهم، وأنتجوا أعمالاً تتحدى الحصار، عكست رؤيتهم لصمود قطر وحرصها وحكمتها، وتفجرت الطاقات الفنية الإبداعية للتعبير عن واقع مؤلم لم يتوقع وقوعه من أشقاء لنا في الدم. والقرابة واللُّحمة، دون الإخلال بالأخلاق والقيم وتجاوزهما، دون المساس بالمشاعرالإنسانية الخليجية بلغة تواصلية راقية، دون تجريح للأشخاص كل اتخذ مجاله بالتعبير عن الرفض والصمود والتحّدي والمواجهة، نظم الشعراء قصائدهم، وشذى المطربون بألحانهم، وخطّ الكُتّاب حروفهم، وعبر التشكيليون برسوماتهم، وجسد الممثلون بفنهم ليشكلوا نسيجا واحدا متكاملا من الانتماء والحب للوطن والأمير، وتبقى اللغة المستخدمة هي المعبرّة عن الثقافة والفكر والأخلاق، فمن أحسن استخدامها حافظ على جمالها وفنية بلاغتها، ومن أساء استخدامها أفقدها جمالياتها البلاغية والمعنوية، والتي طوّعت مفرداتها مع الأسف سياسيا في استخدام عباراتها وألفاظها كسهام ضد الآخر، ودسّها في الإنتاج الفني والثقافي، شوهت صورتها وجماليات نُظمها ومفرداتها، وليس ببعيد عنّا ما صاغه الفكر الإنساني في دول الحصار من كلمات وعبارات مبتذلة في ألحانهم وأشعارهم، كما هي الألفاظ والعبارات المتداولة عبر قنوات الوسائط المجتمعية تويتر وهاشتاق التي يؤكد المتعاملون معها مدى الاضمحلال العقلي المشوّه الذي يسيطر عليهم، وعلى ثقافة وأخلاقيات مجتمعاتهم، من خلال كيفية استخدامهم للغة وتوظيفها في المعترك السياسي وبصورة سيئة مشوّهة. ولعلّ المسرحية التي قدّمها الفنان القطري القدير "غانم السليطي" "شلّي يصير" نموذج للغة لم يشوبها التشويه وكما شاهدتها، العبارات والألفاظ المستخدمة في المشاهد صيغت في قالب كوميّدي سياسّي بعيدا عن الإسفاف والابتذال من أجل إخراج عمل فنّي مبدع، متوّج بولاء وطنّي صادق عكس الرسالة السامية للفن المسرحي "أبو الفنون". ولغة مسرحية راقية، في نقل صريح للإشكاليات السياسّية الَتِي بدأت فصولها المخزية من دول الحصار مع الاختراق لوكالة الأنباء القطرية. وما أعقبه من حصاراقتصادي وجوّي وبرّي وبحرّي، ومقاطعة أسرية، واجتماعات مغلقة، ومبايعة للمعارضين، واتهامات متلاحقة، وشراء الذمم، وخيانات، وادعاءات باطلة، والتي جميعها باءت بالفشل كما أبرزتها فصول المسرحية وجسّدتها بلغة كوميدية ساخرة راقية بعيدة عن الإسفاف اللفظي والتجريح الشخصي، وبفن راق ارتقى بحضور الجماهير واهتمامهم، لرؤية واقع مُخزٍ ومُؤلمٍ، كان لهم صدمة وصفعة، استشعر الجماهير خلالها وكأنهم مع الأحداث في حينها، وأضفى عليها جمالا عفوية الفنان "غانم" الصادقة التي يمتلكها في تأدية جميع المشاهد والتنوع في الأدوار وإتقانها بدقة، إلى جانب الحّس الوطني الذي ألهم الجماهير بالحماس والتفاعل، ممزوجا بالابتسامة والألم، وليس ذلك غريباً على صاحب موهبة إبداعية يسكن حب الوطن داخله، كما يسكن الفن في عروقه، من أجل الوطن، وقضية الوطن. فالأزمة التي حلّت بالوطن بلا ذنب ولاخطيئة واستشعرنا آلامها فجّرت قريحة الفنان "غانم السليطي" ليعود الى المسرح بعد انقطاع دام أكثر من 12 عاما ليطرح بلغته المسرحية الكوميدية الساخرة "الأزمة الخليجية السياسية" بكل إرهاصاتها وأبعادها وآلامها بأسلوب ناقد صريح دون هجوم وتجريح واستهزاء، تختلف عن ماهية الأعمال الفنية التي صدرت من حنجرة فناني دول الحصار مع بداية الازمة وتعرّضت للكثير من النقد للغتها الضحلة المبتذلة، ومعانيها المقصودة لتشويه قطر، أفقدت اللغة جمالها وبلاغتها، تصور فكر وسياسة أنظمتهم، وتثبيت كراهية قطر في نفوس شعوبها، والذي يُعبر عن سقوط فنّي مبتذل في كلماته وألفاظه المستخدمة المجرّدة من القيم والخلق، وكأنها انتشلت من مستنقع الكره والحقد، شدا به فنانو دول الخليج الثلاث لمهاجمة قطر بعد الفشل السياسي، فكيف ننسى أغنية "علّم قطر" ،"وقولوا لقطر"، "وما عرفنا قطر"، ليسير على منوالهم من السقوط والانحدار "شعبولا" الفنان المصري في أغنياته "وبيخبط في الحلل" "والفأر في المصيدة " ليضيف للغة نماذج للإسفاف الأخلاقيّ الفني، والسقوط اللغوّي، الذي تعاملت به دول الحصار مع دولة قطر بعد الفشل السياسيّ والعسكريّ والاقتصادّي. شكرًا للفنان غانم السليطي لهذا العمل المسرحّي السياسّي الناجح "شللي يصير"، والذي سيبقى كمصدر توثيّقي لتاريخ قطر خلال تلك الأزمة للأجيال القادمة، والشكر موصول لطاقم الممثلين جاسم الأنصاري، وهدية سعيد والآخرين الذين كان لهم مساهمة في نجاح المسرحية، ونأمل أن نرى أعمالا مسرحية قطرية بهذا المستوى الرفيع، فمن قال إن المسرح أبو الفنون فقد صدق؛ لأنه تجسيد صادق لواقع متحرك يُستشف من خلاله القضايا والمواقف والصراعات السياسية والاجتماعية والفكرية.