12 سبتمبر 2025
تسجيلللأمانة هي ليست مصرية فقط، بل إنها حالة نظامية عربية، فلعنة تيمورلنك أترجمها بالعربي النظامي: "ويلكم، إما حكمي أو حكم أكثر بشاعة وفتكا مني"، هذه اللعنة التي تؤمن بها الأنظمة التي تريد أن تسير بلادها على رأي رجل واحد يفكر معه جمهور واحد، ويصفق له فريق واحد، حيث إنه لا يرى بين ملايين البشر شخصا واحدا أفضل ولا أكثر فهما ولا وطنية من السيد الرئيس المحمي ببنادق العسكر الذي لم ينتصر على الأعداء يوما، بل كل ما هنالك أنه انتصر دوما على ضعفاء شعبه لصالح هامور سياسي كبير أو قائد عسكري تحول إلى جنرال بزنس. مصر التي طالما كانت منارة للعلم والثقافة والأدب والعبقريات السياسية، تحولت بفضل الضخ الإعلامي المنحاز إلى مجتمع ضيق من الطبالين والراقصين على الألحان المخابراتية للأسف، ورغم أن أولئك لا يمثلون الشعب المصري الأصيل، ولكن إعلام الحكم الجبري، لا يظهر سوى من يطبل للنظام المؤقت الذي انقلب على مستقبل وطنه، فجعلها ثورة مضادة للثورة العظيمة التي خرجت تنشد الحرية، فأخرجت حسني مبارك من برجه العاجي، لتدخل اليوم في ذلك البرج ثعالب لا يعترف بهم حتى مبارك نفسه.ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء، إلى ثلاث وعشرين سنة مضت، بعد احتلال الكويت من قبل القوات العسكرية التابعة لنظام البعث العراقي، خرج الإعلام المصري للأسف ينشر الأكاذيب والأراجيف عن فئة ضعيفة داخل المجتمع الكويتي لا حول لها ولا قوة، وهي الجالية الفلسطينية والأردنية التي كانت تعيش على مدى أربعة عقود نهضت بالكويت وأسهمت في تقدمها علميا وعمليا، وقد تخصصت الصحف التابعة لنظام مبارك آنذاك في وصف الفلسطينيين في الكويت بأنهم خلايا عراقية تحولت إلى مليشيات تقتل وتغتصب أبناء الكويت، معتمدة على عدم وجود وسائل إعلام حرة وغير منحازة تغطي من داخل الكويت، وهذا ما خلق فتنة لا تزال تعشعش في أذهان الجيل الجديد، بل دفعت العديد من الكويتيين العائدين بعد خروج القوات العراقية للانتقام، لجهلهم بحقيقة الوضع.اليوم لا تزال الصحافة المصرية والعقلية الرسمية هناك تعيش حالة اشتباك مضاد مع الصدق والحقيقة والموضوعية، لتشيطن كل من ليس مع النظام الجديد الذي اغتصب السلطة، وأعاد مصر إلى المربع الأول، وفتح الباب للإرهاب والتفجيرات وتفكيك عرى المجتمع الأسرية والسياسية والدينية، ليقدم أنموذجا بشعا للديمقراطية المزيفة التي يصنعها عسكري جاء فجأة من الصف الثالث ليحكم مصر مرتين، مرة بالصفة العسكرية والثانية بالصفة الدستورية المخطوطة بدماء الأبرياء، في سابقة سياسية تثير الشفقة، حين تعرف اسم الرئيس القادم قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، لتتبعها انتخابات تفرز عسكرا مدنيين موالين للسيد الرئيس المنتظر. في الذكرى الثالثة للثورة المصرية، نشعر بالأسى، لأن الربيع العربي قد تحول إلى صقيع عربي حارق لكل نبات طيب، فقد عاد جمهور مبارك يهتف في الشوارع، ويضحك ملء شدقيه، لأن دماء الأبرياء تسيل وأرواح المناضلين تزهق، والناعقين باسم الكراهية يبررون مواقف السلطة وأعوانها من بلطجية السياسة، حتى لا تكاد تفرق بين ما يجري في مصر وما يجري في سوريا، الدولتين اللتين تحملان تاريخا عريقا في المؤسسية الفكرية، ثم يأتي عسكري لم يخض حربا واحدة ليطرح نفسه المخلّص، والوطني الوحيد الذي يحرص على وحدة الوطن وحمايته من الأعداء.لعنة تيمورلنك اشتهرت بعد فتح لجنة استكشاف روسية لقبر القائد تيمورلنك لدراسة تاريخه، وحينما فتح رئيس البعثة قبره وجد على حجره عبارة تقول على لسانه: "من يتجرأ على فتح قبري سيطلق قوة غاشمة أكثر فظاعة مني تجتاح أرضه، هذا تهديدي أنا العاجز في عالم الأموات إلى من في عالم الأحياء"، وللصدفة، وبعد يومين من فتح القبر، اجتاحت القوات الألمانية الأراضي الروسية بعد أن قرر هتلر الوصول إلى منابع النفط في أوزبكستان، لذلك بقيت هذه اللعنة الغبية تنطلي على شعوبنا المرتجفة، لنبقى نردد: "ارض بالقرد حتى لا يأتي أقرد منه"!