13 سبتمبر 2025
تسجيلوقف السيد كولن مارش على المنصة كمتحدث رئيسي في أحد المؤتمرات العلمية التي حضرتها قبل عدة سنوات متسائلًا في بداية كلمته الافتتاحية عن سبب انقراض الديناصورات الضخمة القوية في حين أن الكائنات الدقيقة الضعيفة لا تزال باقية إلى يومنا هذا؟، كان من اللافت لجمهور المشاركين أن يطرح هذا التساؤل في مؤتمر متخصص في علوم الإدارة والقيادة، إلا أن السيد كولن، وهو أحد الرؤساء التنفيذيين للخطوط الجوية البريطانية، كان له مغزى آخر من ذلك السؤال. يقول السيد كولن إن السبب في انقراض الديناصورات هو عدم قدرتها على التكيّف مع المتغيرات المناخية التي طرأت على الأرض في حين كانت الحشرات الضعيفة والميكروبات الدقيقة تمتلك قدرة كافية على الملاءمة مع المتغيرات من حولها مما جعلها تتفوق على الديناصورات في صراع البقاء على قيد الحياة. أراد السيد كولن أن يلفت نظر المشاركين من قادة ورؤساء تنفيذيين إلى ضرورة الاهتمام بالتطوير ومواكبة متغيرات السوق والديناميكية في العمل لضمان الاستمرار، وأن الجمود وتجاهل التحديات المحيطة وعدم التفاعل معها من شأنه أن يقوض العمل ويهدد بقاء المؤسسات وكذلك بقاء الدول المتخلفة عن ركب العلم والحضارة مهما كانت إمكانياتها وتاريخها والشواهد على ذلك كثيرة. وليس بعيدًا عن ذلك الطرح ما تقوم به المقاومة الباسلة في غزة التي استغلت ديناميكيتها الهائلة في إدارة المعركة، وقدرتها على المناورة ومرونتها في تجديد وتطوير آليات التصدي للعدو، ومواجهة التحديات المحيطة بها لتتواءم مع ظروف المواجهة غير المتكافئة مع جيش الاحتلال الصهيوني الذي من الواضح أنه اعتمد على قوة بطشه في صراع البقاء، وقد فشل فشلًا ذريعًا في المعركة وأثبت أنه ديناصور غبي سينقرض هو والديناصورات المنحازة له من القوى الغربية، فلم تعد شعوب العالم على استعداد لتوفير المناخ المناسب لاستمرار الأزمات والحروب بعد انكشاف ازدواجية المعايير الغربية وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان في شتى بقاع الارض عمومًا وفلسطين على وجه الخصوص. وفي المقابل، فإن الحراك الجاري في المجتمعات الغربية اليوم، والمظاهرات المليونية، المناهضة للحرب على غزة، والتي خرجت في عواصم صنع القرار في أوروبا وأمريكا، والدور السلبي المنحاز الذي لعبته الدول الغربية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية، كل ذلك دفع بمنظمات المجتمع المدني والكتاب والمفكرين والإعلاميين المستقلين في الغرب إلى إجراء مراجعات شاملة وتقييم للمواقف، كما سلط ذلك الحراك الضوء على دور الإعلام الغربي في تضليل المجتمعات الغربية ضمن اجندة سياسية فاسدة، ولا شك أن تلك المراجعات عبر المحطة التاريخية المهمة التي جسدتها فظاعة الحرب الدائرة الآن على أهلنا في غزة والصمود الأسطوري للمقاومة الباسلة، سيدفع بالعالم إلى فضاءٍ جديد نأمل أن يكون اكثر عدلًا ونزاهةً من عالمنا الذي نعيشه.