20 سبتمبر 2025
تسجيلاختزال قضية طالبان باكستان بأنها أداة من أدوات الهند في محاربة باكستان تسطيح للمشكلة، واختزال لا يليق بمن يبحث عن حلّ لها، لا سيما حين يُصر البعض على وضعها ضمن حملة استهداف هندية لباكستان، ويحدد أطرافها بالإضافة إلى طالبان باكستان المليشيات المحسوبة على البلوش، وإن كان ذلك قد يكون بعض الحقيقة، ولكنه بالتأكيد ليس كلها، وكما يقولون الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومعرفة الواقع والمرض يُسهل العلاج والتعافي، أما القفز على الحقائق فنتائجه غير مرضية ومخيبة، تماماً كحال من يغمس خارج الصحن. العمل الإرهابي الذي نفذته حركة طالبان باكستان أخيراً في إسلام آباد واستهدف شرطياً ومدنيين، لقي إدانة واضحة لا لُبس فيها من الإمارة الإسلامية الأفغانية ممثلة بحركة طالبان أفغانستان، مما يعكس أن الطرفين ليسا على وفاق، وقد غطيت الحرب الأفغانية منذ البداية، وأعرف تماماً الفوارق والخلافات بين الحركتين، وأدرك تماماً أن طالبان أفغانستان ممثلة بمؤسسها الملا محمد عمر، ومن بعده رفضوا منح الشرعية لحركة طالبان باكستان، لكن طالبان أفغانستان التي احتضنتها طالبان باكستان يوم انحازت إلى مناطق القبائل بعد الحملة الأمريكية على أفغانستان 2001 لا تزال تشعر بالدين في رقبتها لطالبان باكستان، وإن كان خلفُ الحركة ليس كسلفها، بنظر قادة طالبان أفغانستان. بين الفترة والأخرى يحصل تصعيد حدودي بين إسلام آباد وكابول، وبعد أن كانت تُمني باكستان نفسها بأنها ستكون في مأمن بعد رحيل القوات الأمريكية عن أفغانستان، إلاّ أن مثل هذه العمليات لا تزال مستمرة، لكن ذلك لا علاقة له بوصول طالبان إلى السلطة، إنما له علاقة بتراكمات الحرب الأفغانية، وبالمواقف الباكستانية السابقة التي انحازت للحملة الأمريكية على أفغانستان منذ البداية، ولذا لا بد من تفكيك المشكلة تماماً، والعمل على زرع الثقة بين إسلام آباد وكابول قبل الحديث عن تفاقم المشكلة، وكلنا يستذكر أن كثيراً من قادة حركة طالبان أفغانستان تم تسليمهم للقوات الأمريكية، أو للسلطات الأفغانية، أو على الأقل تم خذلانهم يوم انحازت باكستان إلى الحملة الأمريكية وسلّمت ما في خزائنها من معلومات ونحوه عن طالبان أفغانستان. لا بد أن نذكر أن مناطق القبائل الباكستانية التي تعد الحاضنة الاجتماعية لحركة طالبان باكستان لا تزال تئن تحت وطأة عمليات الجيش الباكستاني بذريعة مطاردة المسلحين التي حصلت تحت ضغوطات أمريكية، وتسببت في هجرة الملايين من الأهالي، ونجم عنها تدمير بنى تحتية للمدنيين، بحيث غدت بعض القرى والمناطق غير صالحة للسكن والعيش، ومع هذا لا يزال الأهالي يدفعون ثمن تلك الاجتياحات، وهو ما خلّف مرارات ضخمة وهائلة وسط طالبان باكستان، ووسط الحاضنة القبلية، التي تشعر أنها تدفع ثمن رفاهية المدن وتطورها على حساب معاناتها وعذاباتها، فضلاً عن شعور طالبان باكستان أمام الحاضنة أنها المسؤولة عن تلك النتائج إن لم تقم بمعالجته عبر الضغط على الحكومة، وتسهيل عودة اللاجئين وتأهيل خدمات مناطقهم. ثمة أدوات ناعمة مهمة في حوزة باكستان للتأثير على حركة طالبان أفغانستان وحتى طالبان باكستان، وعلى رأس هذه الأدوات المدارس الدينية الباكستانية التي خرّجت كثيراً من قادة وعناصر هاتين الحركتين، بالإضافة إلى أداة ناعمة أخرى مهمة وهي العلماء الباكستانيون والأحزاب الدينية الباكستانية القادرة على التأثير على الحركتين، فضلاً عن قدرة هذه الأداة على مواجهة العناصر البلوشية المتمردة، وفوق هذا كله لا يمكن لباكستان أن تقفز على علاقاتها مع حكومة الإمارة الإسلامية الأفغانية في كابول، فبدون التواصل معها، ستظل حركة طالبان باكستان خطراً على الحكومة الباكستانية، وبالمناسبة فإن كابول تستشعر خطورة حركة طالبان باكستان كما تستشعرها إسلام آباد، إذ أنها تدرك تماماً أن هذه الحركة قد تكون مقدمة وتوطئة لتنظيمات متشددة وتحديداً تنظيم الدولة «داعش» وبالتالي فإن التعاون الباكستاني_ الأفغاني يصب في مصلحة الطرفين، ويساعد على بناء الثقة وتخفيف الاحتقان فيما بينهما، فضلاً عن حل مشاكلهما التي قد تكون متقاربة.