18 سبتمبر 2025

تسجيل

عن عزلة الطبقة العليا

27 ديسمبر 2021

لم يَعد خوفي على اختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع هو ما يؤرقني كثيراً، أصبح الخوف من عزلة الطبقة العليا أكثر إشغالاً لإدراكي واهتمامي كذلك. أكاد أستشعر الأسوار التي تبنى يوماً بعد آخر بينها وبين مكونات المجتمع الأخرى، عندما أرى تكاثر المجمعات السكنية والمولات، وسيادة نموذج «الكمباوند» في مجال البناء على مصطلحات كالفريج أو الحَي، أشعر بروح العزلة تسري في أوصال المجتمع، وأخشى أن تتنامى يوما بعد آخر لتصل إلى مجال التعليم، وقد وصلت تقريبا، وإلى مجالات الخدمات الأساسية الأولى التي تقدمها الدولة لنتحول إلى دولة «أوليجاركية» وهو مفهوم أشمل من مجرد النظام الأوليجاركي. أتمنى ألا تصل الأمور إلى أبعد من ذلك كنظام التوظيف والأحقية في الوظيفة اعتمادا على الكفاءة «الاجتماعية» وليس مجرد الكفاءة العلمية المحايدة. خطورة انعزال الطبقة العليا بالإضافة إلى تآكل الطبقة الوسطى في أن مثل هذا الوضع، يضع المجتمع بين «اليوتوبيا» مجتمع الواقع المثالي، و«الديستوبيا» واقع العالم المرير، أو بين ثقافة «الكمباوند» وثقافة «العشوائيات» وهذا هو واقع الصراع. على الرغم من استبعاد كل جوانب الصورة السلبية لمثل هذا الوضع حاليا في مجتمعنا، إلا أنه لا يجب إغفال المؤشرات الحيوية التي تشير إلى أننا نتجه نحو ثقافة مزدوجة بين من يملك ومن لا يملك. لم يعرف المجتمع القطري عبر تاريخه، الطبقية، بمعناها الدقيق، حيث كانت جميع الطبقات عيالاً على بعضها البعض وعيالاً على الحكومة، ولا يعني استمرار مثل هذا الوضع حلا، ولكن لا يقبل كذلك تحويل إلى فرصة انتهازية أيا كان شكلها أومصدرها، ولم يعرف مجتمعنا الأسوار الفاصلة بين مكوناته، ولم يعرف التمايز الفاقع بين أفراده إلا في أضيق الحدود، في حين أنه بعد اعتماد سياسات التجنيس الواسعة تصبح ثقافة المجتمع «هيجينة» بعد أن كانت متجانسة، وبالتالي تصبح قضية تآكل الطبقة الوسطى وعزلة الطبقة العليا أكثر خطورة نتيجة لوجود ثقافة جديدة في المجتمع قد تكون أكثر حساسية وراديكالية للتعامل مع هذا الوضع، يجب معالجة آثار الثروة على المجتمع، بحيث تكون عامل استقرار وتنمية ومصدرا للقيم في نفس الوقت، لا عامل عدم استقرار وتهيؤ دائما للنفور. اتساع رقعة الطبقة العليا على حساب الطبقة الوسطى يعني أن هناك تسرباً إلى أعلى أو إلى أسفل، وبالتالي يتجه المجتمع إلى «الحديه» أكثر من ذي قبل، وأكثر قابلية للأفكار المتطرفة التي تقوم أساساً على ثنائية المستضعفين «ديستوبيا» والمستكبرين «اليوتوبيا» بشكل أو بآخر، اعتمادا على أيديولوجيتها، ومن أي تنطلق سواءً من المسجد أو من المصنع، ورأينا كم استمالت «داعش» وقبلها القاعدة من مئات من شباب الخليج اعتمادا على هذا الفكر والأرضية الصالحة لإنتاجه. [email protected]