14 سبتمبر 2025

تسجيل

خطابُ الكراهيةِ المَرفوض

27 ديسمبر 2017

لم نكن نتوقع أن تصل درجة الكراهية بين أبناء الخليج لدرجة أن يُطلق مغرد من إحدى بلدان الحصار التغريدة التالية: (5000 دولار كاش لمن يكسر ريل (رِجْل) لاعب قطري، ويُنهي مسيرته الرياضية)!! لا أعرف إلى أي مدى تم زرع الكراهية والحقد بين شعوب الخليج، وما هو مبرر ذلك؟ وهل تستحق الكويت، التي قدّمت للشباب الرياضي هذه التحفة المعمارية المتمثلة في (استاد جابر) وتلك الإمكانات التي وفرتها لإنجاح الدورة 23 من كأس الخليج العربي، والذي يُجمّع ولا يُفرق، ويُعالج ولا يجرح، ويزيد من التلاحم بين الشباب الرياضي الخليجي، ليطالب أحدهم بأن يتحول هذا المكان الجميل إلى مرتع للضرب والكسر وإيذاء اللاعبين، ونحن نشهد دورة كأس الخليج التي من أهدافها لم شمل الشباب الخليجي، وزيادة تعارفه، وإذكاء روح التنافس الشريف فيما بينهم، وتقديم فنون لعبة كرة القدم بروح رياضية وبأخلاق عالية. لقد صُدمنا بأحد الذين يلعنون الظلام، ويوغرون صدور إخوانهم بتلك التغريدة غير المسؤولية، وذلك التصرف الخارج على الذوق والأخلاق، بهدف تأجيج المشاعر لتخريب دورة كأس الخليج العربي، ولكأننا نعيش وسط غابة، يكسر البعض عظام بعض، ويقتات البعض على آلام البعض! لقد وُجدت وسائل التواصل الاجتماعي للتعارف الإيجابي بين البشر، وتبادل الخبرات والمنافع والأقوال الطيبة والمعلومات المفيدة، ولم يكن يدور في خلد الذين برمجوا هذه الأدوات، أن تُستخدم هذا الاستخدام غير الأخلاقي المقيت، وأن يقوم من يفتقدون صفة الإنسانية بنشر عبارات تحريضية على الكراهية والعنف ضد الآخر! ومن هو هذا الآخر؟ إنه اللاعب القطري، الذي وصل إلى الكويت كي يشارك إخوانه فرحتهم بهذا التجمع الخليجي الرياضي، ويُلبي دعوة الكويت ابتهاجًا بافتتاح (استاد جابر)! وماذا فعل هذا اللاعب القطري أو المنتخب القطري بأسره حتى يؤخذ بجريرة قوم حاصروا بلاده دون مبرر؟!  أعتقد بأننا نعيش جاهلية جديدة عبر أدوات التواصل التي وُجدت أساسًا لمحاربة الجهل والعمل على التفاهم وتراسل الأمنيات الطيبة، لا كلمات الحقد أو سوداوية الموقف! نحن نتمنى من جيل الشباب ألا يلتفتوا لمثل تلك الدعوات المريضة، ونحن بدورنا يؤلمنا أن يتعرض أي لاعب خليجي لأي مكروه خلال الدورة، لأن اللاعب مواطن يقدم فنه الرياضي، ولا دخل له في السياسة، أو في دعوات التحريض أو الحروب الإلكترونية التي تملأ سماء الخليج هذه الأيام. وفي مناسبة كهذه، يجدر بنا أن نلتفت إلى كل ما يوحد الشعوب، ويزيد من تلاحمها، ويقوي الأواصر بينها، ونأمل من جميع المنتخبات الخليجية إمتاع الجماهير والتحلي باشتراطات اللعب النظيف، وألا يُهرّبوا السياسة تحت قمصانهم! وفي مناسبة كهذه، نرجو من شبابنا المتعامل مع أدوات التواصل الاجتماعي أن يُفكروا في قيمة ونُبل ما يتداولونه! لأن العقلاء لن يلتفتوا إلى أقوال الجهلاء، ولأن الكلمة الطيبة صدقة، فإن لم تكن لديهم كلمات طيبة فالصمت أولى وأنقى لهم. أما التلاسن والرد على بعض المتشنجين فلن يساهم في تنوير العقل، وإن أفرجَ بعض أفراد من ذات الفئة. لقد خُلق الإنسان على الفطرة، والفطرة السليمة هي في الحب والعدل والتراحم وصفاء القلب، وعلى هذا الأساس يجب أن يتعامل الناس فيما بينهم، وإن وسائل التواصل من الأدوات التي تدعم تلك القيم، ولا يجوز أن تترك لبعض ضعفاء النفوس ليملأوا الأرض حقدًا وعبثًا. لقد دار حديث مؤلم خلال أزمة حصار الشعب القطري، وعلى لسان بعض المسؤولين في المنطقة، واحتوى على ترويج لأكاذيبَ ومواقف مختلقة، وغير حقيقية! وتشنّج كثيرون لبث الفرقة وتشتيت أهل الخليج وإدخالهم في دوامة الكراهية، التي لم تكن معروفة بينهم، وبودي لو تساءل أيُّ متواصل عبر هذه الأدوات: ما الفائدة وراء ترويج مثل هذا الخطاب الناكر لحتميات تاريخ وجغرافيا المنطقة؟ بل ماذا استفادت شعوب دول الحصار من حصار الشعب القطري، الذي وضع الحصار وراء ظهره، وأدار وجهه نحو المستقبل؟! أنا أعتقد بأنه سيأتي يوم سيندم فيه كل من روّج لخطاب الكراهية المرفوض دينيًا وأخلاقيًا وتاريخيًا وإنسانيًا! وسيلوم التاريخ كل من أسهم في خلق هذه الأزمة، وتبعاتها التي تغلغلت إلى عظام بعض الشعوب، وستتكشف مع الأيام الأوراق الحقيقية وراء اختلاق هذه الأزمة! وأن الذين لعبوا بأقدار شعوبهم، وألهوهُم عن حقائق ما يجري على الأرض، سوف تكتشفهم شعوبهم، والتي نالها ما نالَ الشعب القطري من ضيق وألم على تلك التصرفات التي لم يكن يقبلها "السنع" الخليجي ولا العرف الإنساني. نقول أخيرًا: اتركوا الرياضة والثقافة والفن لأصحابها، ولا تشوهوا هذه القيم السامية عبر ما يختزن في قلوبكم من أدران السياسة، تلك القلوب التي (لا ترى في الوجود شيئًا جميلًا)!!