12 سبتمبر 2025
تسجيللعل الحديث الآن أكثر قربا إلى عقول من اعتبروا أن لا فرصة لوقوع الحرب الأهلية في مصر، وأن التنبيه لمخاطر واحتمالات اندلاعها مجرد تخوفات لا مبرر حقيقيا لها. وأهم ما يمكن قوله الآن وسط الأحداث المتلاحقة، هو أن نماذج الحرب الأهلية متنوعة بلا حدود وأن إحدى مشكلات إنكار وجودها في مصر راجع إلى حالة تمترس عند أنماط كلاسيكية جرت من تلك الحرب، والقياس عليها، فضلا عن أن البعض منا يحاول الهروب من مواجهة الوقائع الضاغطة على الأرض أو التي تدك الرأس دكا، بالعودة إلى محددات وثوابت تعرضت أمامه للاهتزاز ويرفض أن يراها محطمة أمامه. الساحة المصرية تعج الآن بالتصريحات العنفية والأعمال الإرهابية – على تنوع مصادرها وأطرافها- وبمشاهد الفوضى المصنعة والمدفوعة للجمهور العام للاحتذاء بها وتقليدها بما هو أسوأ، فضلا عن توسع غير مسبوق في إطلاق يد القتلة المأجورين في سفك دماء الآخرين لقاء المال أو حتى لقاء التغاضي عن جرائم أخرى يرتكبونها تجاه أفراد المجتمع كالسرقة بالإكراه وممارسة أعمال البلطجة كمصدر للحصول على المال، في أغرب تحالف مصالح تشهده المجتمعات. ما يجري أمام أعيننا في مصر ليس إلا حدث متصاعد في وقائعه بهدف إشعال نمط مصنع من الحرب الأهلية، نمط خاص - وإن كان قريب الشبه بما يجري الآن في الإقليم - يقوم على حشد، يشمل القوة العنفية للدولة بعناصرها وقدراتها التنظيمية والتسليحية والمالية الإعلامية، مع بعض الأقليات السياسية التي لا أمل لها في الوصول للسلطة عبر الصناديق، والفئات الاجتماعية من رجال الأعمال الفاسدين الذين يجمعون الثروات عبر صلاتهم واختراقهم لمؤسسات الدولة بالفساد، والأقليات الدينية – التي يجري حشدها بالإكراه وتحت وقائع تخويف مصنعة لإرهابها- ومجموعات غير نظامية أقرب إلى الميلشيات غير الهرمية التسلسل. كل هذا التحالف يدخل في مواجهة حالة ثورية في الشارع، مستخدما كل وسائل العنف لهزيمة الإرادة الشعبية التي تتفاعل في المواجهة على طريقتها. لقد جرت عملية مخططة لشق الصفوف السياسية والفكرية والقيمية والنفسية في داخل النخبة المصرية وعبرها جرى اختراق قطاعات من المجتمع، حتى حدثت حالة تخندق وانقسام بين معسكرين لا مرور بينهما أبدا، بسبب ما جرى قصدا من نسف كل جسور التواصل، عبر الإلحاح على الكراهية المطلقة بين طرفين في المجتمع. بعدها جرى الإلحاح والتأكيد على صناعة صورة ذهنية عن الطرف الآخر الممثل للإرادة والشرعية الجماهيرية، جعلت منه كائنا شيطانيا يقتل غيره ويقتل نفسه، وكل ذلك لتبرير مواجهته بالسلاح، وهو ما جرى بالفعل تحت ظلال تغطية الطرف السياسي والمجتمعي المساند والمتأثر. والآن نعيش حالة أخرى يجري فيها الحديث والممارسة القاطعة للعنف الرسمي النظامي والميلشياوي والإعلامي والسياسي في شكل حرب المطاردة الشاملة. لقد شهدت مصر أعمالا من البلطجة والقتل خلال وما بعد ثورة يناير، وشهدت قتلا وترويعا خلال فض التظاهرات والاعتصامات، لكن الأمور ظلت عند حدود لا دعوة فيها للعنف والمواجهة الشاملة بالسلاح، بل كان يجري الاختباء حول أخطاء الطرف الآخر لتبرير أعمال القتل. الآن تغيرت الأمور، لقد شهدنا رجل أعمال يخرج على الإعلام ليهدد بالمواجهة العنيفة من خارج الأطر النظامية للدولة – الجيش والشرطة – وهو بذلك اتهم الجيش والشرطة بالضعف وعدم القدرة حين حدد أعداد المتظاهرين بـ300 و400 متظاهر. هو اتهم الجيش والشرطة بعدم القدرة وبذلك فتح الطريق للمواجهة المجتمعية بالسلاح وهو أمر لا يمكن أن يجري إلا عبر مجموعات تقوم بهذا الفعل قد تكون أقرب إلى صحوات العراق أو جيش الشبيحة في سوريا. ومن بعد شهدنا التفجير الإرهابي الذي جرى ضد مبنى مديرية الأمن في محافظة الدقهلية، وجاءت تبعاته خطرة وقد بدت خطواتها سابقة التجهيز. لقد جرى تصنيع مشاهد أذيعت على الرأي العام يجري خلالها حرق سيارات وتحطيم محتويات شقق واقتحام سلسلة المحلات التجارية، دون وجود للشرطة، وهو ما يعتبر صناعة لاحداث فعل أهلي عنفي يهدد بفوضى لا يمكن التحكم فيها، خاصة بعد إعلان جماعة الإخوان إرهابية ومطالبة من إعلاميين بإبادتها ومحو كل آثارها بما لا يجعلها تعاود الظهور قبل مئة عام. مرة ثانية وثالثة.. مصر تشهد تصنيعا لنمط من الحرب الأهلية.