10 أكتوبر 2025
تسجيلتعددت التعريفات العلمية للذكاء على أساس السلوك أو التصرف الصادر من الفرد استجابة للمحيط، وتبعا لذلك تعددت تعريفات الذكاء، كما تعددت نظريات الذكاء، فهناك الذكاء اللغوي والذكاء الموسيقي، والذكاء المنطقي والذكاء المكاني، والذكاء الجسمي، والحركي والشخصي والذكاء بين الشخصين الاجتماعي والذكاء الطبيعي. ومع أن نسبة الذكاء تبقى ثابتة، فإن العلماء وجدوا أن هناك بعض العوامل التي ترفع نسبة من نسبة الذكاء أو تقلل منها، مثل عامل الوراثة وعامل البيئة ثم عامل الوراثة والبيئة معاً وكذلك عامل دافعية الفرد. ولأهمية اكتشاف الأفراد الذين يتمتعون بقدرات عقلية عالية، بدأت محاولات عدة لإيجاد اختبارات تقيس القدرات العقلية سميت باختـبارات الذكاء، ومن أهم تلك الاختبارات اخـتبار "ستانفورد بينيه" واختبار "وكسلر". والقياس العقلي يفيد في تشخيص التأخر العقلي كما يفيد في تشخيص الموهبة والابتكار وتصنيف التلاميذ إلى مجموعات ومساعدتهم في فهم قدراتهم وميولهم إلى أقصى حد ممكن. ومن الفئات الأخرى التي تهتم بها الدول فئة الأفراد المبدعين وذلك لأثر هذه الفئة في رقي وتقدم الأمم. ويتكون من الإبداع مهارات وقدرات متعددة هي المرونة والطلاقة والأصالة والتحليل والتركيب والحساسية للمشكلات... إلخ. وقد وجد العلماء أن العملية الإبداعية تمر بمراحل مختلفة، من هذه المراحل، مرحلة الإعداد ومرحلة الاحتضان ومرحلة الإلهام ومرحلة التحقق. كما يرى العلماء أنه لابد من توافر مقومات أساسية لظهور القدرات الإبداعية. من هذه المقومات الذكاء والدافعية والتعلم والتخيل الإبداعي. كذلك تعددت العوامل التي تؤثر في تنمية الإبداع ومن هذه العوامل الأسرة وشخصية الفرد وأساليب التعليم والمنهاج وثقافة المجتمع. أما أساليب الكشف عن المبدعين، فتمر بمراحل مختلفة، منها مرحلة الترشيح من قبل الأسرة والأقران، ثم مرحلة الاختبارات، مثل اختبارات الذكاء الفردية والجمعية واختبارات الإبداع والتفكير الإبداعي. ورعاية الموهوبين والمبدعين يجب أن تكون قضية التربية الأولى، وبخاصة في عصرنا هذا، عصر الانفجار المعرفي والثقافي والمعلومات والاتصالات، أضف إلى ذلك أن أمتنا تواجه تحديا كبيراً، إذ لابد أن يكون العرب مشاركين بشكل فعال في دعم التقدم الحاصل في كل أصقاع الدنيا. وكل هذا يتطلب منا تحسين نوعية التعليم بتحسين مدخلاته وعملياته ومخرجاته، ولتكون التربية منسجمة مع التنمية ومتطلباتها. ولن تتوافر هذه النماذج إلا إذا وضعنا الطلاب في مناخات تؤدي إلى تنمية قدراتهم وتشجيعهم على الإبداع، وهذا الكتاب يساهم للوصول إلى هذا الهدف النبيل. وقد اهتمت الدول المبدعة كما اهتمت الدول النامية بموضوع الإبداع وبالمبدعين وترتيبهم وذلك لما للإبداع من أهمية في تقدم هذه الأمم، وباعتباره أداة أساسية لمساعدة الإنسان في مواجهة المشكلات الحياتية والعالمية، سواء في أيام السلم أو أيام الحرب ومن تلك المشكلات التي يحاول العلم حلها والتغلب عليها. ومنها الأمراض المختلفة مثل السرطان، والإيدز والجمرة الخبيثة وغيرها من الأمراض العصرية والقديمة، ومشكلة الطاقة وضرورة توفيرها، ومشكلة الانفجار السكاني، ومشكلة نقص الغذاء ومشكلة الاستعمار بأشكاله القديمة أو الحديثة، غيرها العديد من التحديات والمشاكل الكثيرة التي تواجه الإنسان، فمن أجل مثل هذه المشاكل وغيرها كثير، بدأ العالم اهتمامه بالمبدعين وذلك للتغلب على الصعوبات التي يواجهها جراء هذه المشكلات. ومن هنا تظهر أهمية هذا الكتاب الذي يساعد في الوصول إلى المبدعين والكشف عنهم في محاولة للاستفادة من طاقاتهم وإبداعهم، من أجل رقي المجتمع وتقدم الأمة، وإضافة إلى هذا الهدف النبيل، يضاف إليه كل ما ألفه السابقون في المجال نفسه، وهو خطوة في نشر ثقافة جديدة تدعونا جميعاً إلى تفهم الخطر الذي يلم بنا إذا نحن لم نبدأ برعاية الصفوة المفكرة الذكية المتميزة والمبدعة. والكتاب من القطع المتوسط ويضم الكتاب تسعة فصول تعقبها ثمانية ملاحق، وقد جاء الكتاب في حوالي 405 صفحات، ومؤلفا هذا الكتاب هما د. (محمد جهاد جمل)، ود. (زيد الهويدي)، وقد راجع هذا الكتاب وقدم له د. أحمد بن دانية، وصدر الكتاب في طبعته الأولى عن دار الكتاب الجامعي، في الإمارات العربية المتحدة. وقد تناول مؤلفا الكتاب في الفصل الأول الذكاء مفهومه وتعريفه وخصائصه، وعرضا للعديد من التعريفات المختلفة للذكاء، فمفهوم الذكاء مفهوم تصف به السلوك والتصرفات التي تصدر عن الفرد. وهناك تعريف آخر يرى أن الذكاء في اللغة يعني سرعة الفهم وحدته، مما يؤدي إلى نمو الإبداع لدى المتسمين بالذكاء. وقد عرض الكتاب لأهم أساليب التدريب لتنمية الإبداع، منها استخدام طريقة التقصي والاكتشاف وكذلك استخدام الأسئلة المتباعدة، والألغاز والألعاب التربوية وجلسات إمطار الدماغ. وبوجه عام، تشير الدراسات التربوية ودراسات علم النفس إلى تعدد تعريفات الإبداع التي قد تزيد على 50 تعريفاً، وقد يعود ذلك إلى مناهج الباحثين واختلافهم واهتماماتهم العلمية، والتربوية وإلى مدارسهم الفكرية، كما قد يعود إلى تعدد مجالات الظاهرة الإبداعية، ويمكن إجمال هذه التعريفات في أربعة مجالات: أولا: الشخص المبدع: ومفهوم الإبداع عند الآخذين بهذا التوجه، يرتكز على سمات الشخص المبدع نفسه، فقد عرف (سمبسون Simpson) الإبداع بأنه:" المبادأة التي يبديها الفرد في التخلص من سياق التفكير العادي والانتقال إلى نمط جديد من التفكير"، أي أن الشخص المبدع هو يبحث ويستقصي ويكتشف ويؤلف، ومن السمات ذات العلاقة بالشخص المبدع حب الاستطلاع، والاكتشاف. أما (جيلفورد Guilford) فيعرف الإبداع بأنه تفكير مفتوح يتميز بإنتاج إجابات متنوعة، ومن السمات التي يذكرها جيلفورد ولها علاقة بهذا التعريف: الطلاقة والمرونة، والقدرة على التفكير المنطقي، وتوظيف المعرفة المتوفرة لتوليد أفكار جديدة، ومن الصفات التي ذكرتها الباحثة (كلاركClark): الانضباط الذاتي والاستقلالية وكراهية السلطة، ومقاومة الضغوط الاجتماعية والميل إلى المؤامرة، وتفضيل المسائل المعقدة، كما وجد أنهم يميلون إلى قراءة الكتب ويجدون متعة في قراءتها ويقرأون بفهم، كما أنهم يبذلون جهودا كبيرة في مجال تخصصهم. ثانياً الإنتاج: وفي هذا المجال يعرف (روجرز Rogers) الإبداع بأنه ظهور لإنتاج جديد نتيجة تفاعل الفرد مع الخبرة. ثالثاً: البيئة الإبداعية: ويقصد بها الظروف أو المواقف المختلفة التي تيسر ظهور الإبداع أو تحول دون ظهور قدرات الأفراد الإبداعي، فقد توصل تورانس نتيجة زيارته إلى اليابان إلى أن معظم سكان اليابان مبدعون، ويعود ذلك إلى المناخ الثقافي الذي يسهل ظهور الإبداع الذي من مظاهره الجد والنظام وبذل الجهد الكبير في العمل والانتماء للجماعة واحترام روح الفريق والتدريب الذاتي على حل المشكلات وتنمية مهارة الإنتاج ومهارة التعاون منذ الصغر. كما يشمل المناخ النظام التربوي والمدرسة بما فيها من مديرين ومعلمين ومشرفين وأخصائيين وأدوارهم في تهيئة البيئة الصغيرة الملائمة للإبداع. رابعاً البيئة العلمية الإبداعية: لتحديد مفهوم الإبداع وفق هذا المنحنى يعرف (ميدنك Mednick) الإبداع بأنه عملية مزج عناصر في قالب جديد يحقق فائدة معينة. أما (بول تورانس Torrance) فيعرف الإبداع بأنه عملية الإحساس بالمشكلات وتحديد مواطن الضعف والثغرات فيها ثم صياغة الفروض واختبار صحة الفروض للوصول إلى نتائج. وفي هذا التعريف يُلاحَظ التركيز على المراحل التي تمر بها العملية الإبداعية والتي ما زالت هذه الخطوات موضع خلاف بين الباحثين. كما تناول مؤلفا الكتاب المعالم الرئيسية للإبداع: وذلك من خلال الدراسات والأبحاث ذات الصلة بالإبداع، ومن التعريفات السابقة يمكن تحديد بعض المعالم الرئيسية للإبداع وخلاصتها أن هناك اختلافا وتباينا في تحديد مراحل عملية الإبداع، واختلافا أيضاً في تعريف الإبداع، فوفقاً لما يراه مؤلفا هذا الكتاب: ليس من الضروري أن تمر عملية الإبداع بمراحل محددة، كما يؤكدان إمكانية أن ينتقل الفرد المبدع من المرحلة الأولى إلى المرحلة الأخيرة أثناء تكوين الفكرة الإبداعية دون المرور ببقية المراحل، وقد تناول مؤلفا الكتاب عدة نماذج انتهيا منها إلى أن مراحل الإبداع هي: 1- مرحلة تكوين الفرضيات: وهي المرحلة التي يقوم فيها الفرد المبدع باقتراح حلول الفرضيات، أي تكوين أفكار جديدة. 2- مرحلة اختبار الفرضيات: وفيها يقوم المبدع باستخدام الأساليب والوسائل والأدوات المتاحة بفحص الفرضية أو الفكرة للتأكد من صحة الفرضيات أو الأفكار. 3- مرحلة الوصول إلى النتائج: وفي هذه المرحلة يتأكد الفرد المبدع من صحة إحدى الفرضيات فيقوم الشخص بتعميمها وعرضها على الآخرين، وذلك لمعرفة مدى فائدتها وقبولها من الآخرين. وهناك نموذج المرحلتين، أي أن العملية الإبداعية تتكون من مرحلتين هما: - مرحلة الفكرة الأساسية. - مرحلة التوسع التفصيلية. ففي مرحلة الفكرة الأساسية يحاول المبدع البحث عن فكرة جديدة مثيرة أو (حل المشكلة)، ويستخدم لتحقيق ذلك تقنيات التفكير الإبداعي. أما مرحلة التوسع التفصيلية فتتضمن تطوير الفكرة وتوسيعها وتطبيقها. مثلا يبدأ الفنان برسومات تمهيدية ثم ينتقل للإنتاج الإبداعي، كذلك الروائي يكتب الكلمات على الصفحة ثم يقوم بالتنقيح والتصحيح ويكرر ذلك، كذلك رجل الأعمال الذي عليه تنظيم التفاصيل وتنفيذ العمل الضروري لتنفيذ الفكرة الأساسية بخطوات متسلسلة. أما أساليب الكشف عن المبدعين فهي تعد خطوة مهمة للغاية في أي مشروع يهدف إلى تربية ورعاية المتفوقين والمبدعين. وإذا تمت عملية اكتشاف المتفوق أو الموهوب بأسس علمية صحيحة فإنه يمكن وضعه في البرنامج الذي يناسبه، كما أن عملية الاكتشاف تجعل المجموعة التي نرعاها ونعد لها البرامج الإثرائية خالية من الطلبة المتفوقين. حيث لا يجوز أن يكون طالب غير متفوق موجودا في فئة المتفوقين، ويخضع لبرامجهم ومناهجهم، لأن ذلك يؤدي إلى إحباطه وزيادة ضعفه، وكذلك الحال فإن الطالب المتفوق يفضل أن يلتحق في فصول المتفوقين ولا يترك في الفصول العادية مما قد يؤثر فيه سلبا، لذلك لابد أن تكون هذه الخطوة موجودة في مشروعات المتفوقين والموهوبين، وأن نجاح أي مشروع يعتمد على مدى دقة عملية الكشف التي استخدمت وعلى صحة الخطوات التي اتخذت للكشف عنهم. وقد تعددت وسائل الكشف عن المبدعين، فقد يكون منها: السيرة الذاتية ومقاييس التقدير وقد تكون الاختبارات العقلية، ويمكن التحدث عن خطوات الكشف عن المبدعين بإيجاز، فالخطوة الأولى هي الترشيح، والخطوة الثانية هي خطوة الاختبارات والمقاييس وهذه بدورها تصنف إلى فئات خمس، وهي اختبارات الذكاء الفردية، واختبارات الذكاء الجمعية، واختبارات الاستعداد المدرسي والأكاديمي، واختبارات التحصيل الدراسي، واختبارات الإبداع والتفكير الإبداعي. ويشدد المؤلفان على أهمية وجود ضوابط التعرف إلى المبدعين، لأن هذه المرحلة من أهم المراحل في أي برنامج لتنمية الإبداع وتأتي أهميتها من حيث اكتشاف التلميذ المبدع وأن أي خطأ في اختبار التلميذ قد يضر بالتلميذ، لأن وضع أي تلميذ في فصل على أنه مبدع قد يؤدي إلى إحباط التلميذ وعدم قدرته على السير بمستوى التلاميذ المبدعين، كما أن عدم اختيار التلميذ المبدع ووضعه في فصل المبدعين يؤدي إلى تأثره نفسيا، فيفقد البرنامج عنصراً أساسياً وهو التلميذ المبدع والذي يمكن أن تنمي البرامج الإبداعية قدراته، لذلك لابد من الاهتمام بالتلميذ المبدع والتعرف عليه، ويمكن أن تمر هذه العلمية بمرحلتين، حيث تتضمن كل مرحلة عدة خطوات. ولم يغفل الكتاب الاهتمام بالطفل المبدع، فقد خصص المؤلفان الفصل الخامس لهذا الغرض، والذي أفرد عرضا لعدد من البرامج التي تعمل على تدريب الأطفال وتنمية إبداعهم مثل برنامج (مايروتورس) وبرنامج (بيردو) للتفكير الإبداعي. وكذلك الفصل السادس الذي تناول التفكير مفهومه وتعريفه لغة واصطلاحاً، وأورد التعريفات المتعددة للتفكير، مع إيضاح لعناصر التفكير وتبيين مهاراته. وتبقى الإشارة إلى أن هذا الكتاب بسلاسة عرضه، وصرامة منهجه العلمي، ودقة توثيق معلوماته، يسد ثغرة كبيرة في المكتبة التربوية العربية.