10 سبتمبر 2025
تسجيلفي القمة الخليجية الثالثة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي اختتمت أعمالها في العاصمة البحرينية المنامة الثلاثاء، تم اعتماد الاتفاقية الأمنية لدول المجلس بصيغتها المعدلة التي وقعها أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية في اجتماعهم الحادي والثلاثين بتاريخ 13 نوفمبر الماضي، والتي تتكون من 6 فصول و45 مادة، وذلك حسب ما تم نشره في السابق على المواقع الإلكترونية، للحفاظ على أمن واستقرار دول المجلس، وتأكيداً على أهمية تكثيف التعاون، سيما فيما يتعلق بتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية في الدول الأعضاء. ويذكر أن الاتفاقية ظلت حبيسة الأدراج لسنين طويلة بسبب رفض وتحفظ الكويت عليها لعدم ملاءمة بعض نصوصها لمواد الدستور الكويتي فيما يخص السيادة الإقليمية والحريات الأساسية، لكن إلغاء مجلس الأمة وانتخابات مجلس الصوت الواحد خلقت أرضية للموافقة عليها من قبل هذا المجلس وهو ربما شجع الحكومة الكويتية على الموافقة عليها.إن منطقة الشرق الأوسط تمر حالياً بمرحلة حرجة بعد عامين من انطلاقة ثورات الربيع العربي، وتعيش دول الوطن العربي حالة من عدم الاستقرار ليس السياسي فحسب، بل حتى الفكري، والكثير من التجاذبات بين أقطاب شتى أدت في أحيان كثيرة إلى أن تكون الفوضى هي سيدة الموقف السياسي في كثير من الدول، ولكن نتمنى في نهاية الأمر أن يكون المردود إيجابياً وينعكس على الشعوب العربية كرصيد لبناء الأفكار لأجيال قادمة تؤمن بالديمقراطية والحريات بكافة أشكالها، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير.ودول الخليج ليست معزولة سياسياً أو فكرياً عن محيط النظام العربي ككل، كما أنها ليست منغلقة عن العالم، فهي تؤثر وتتأثر بما يدور حولها من أحداث، لذلك فإنه ليس من المستغرب ما تمت إثارته من بعض المثقفين الكويتيين في مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة أشهر حول بعض بنود الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تسربت إلى الإعلام الإلكتروني، حيث اعتبر الكثيرون أن توقيع الكويت على الاتفاقية الأمنية يُعد أمراً في غاية الخطورة.الشعوب الخليجية، لم تكن تعلم بمواد الاتفاقية أو حتى فحواها، فهذا شيء يندى له الجبين، باعتبار أن عدم اطلاع الشعوب الخليجية على بنود الاتفاقية في حين يفترض أن يكونوا هم المعنيين بها، يعتبر انتقاصاً من قدر هذه الشعوب ويمثل نوعاً من عدم التقدير والاحترام وربما قهراً لهذه الشعوب وتكميماً لأفواهها، فلقد كان من باب أولى إعلام كافة أفراد المجتمع الخليجي – من خلال مجالس الشورى أو البرلمانات في دول الخليج أو الإعلام – بمسودة أحكام ومواد الاتفاقية حتى يكون المجتمع على علم مسبق بكافة أحكام التشريع الجديد بحيث يمكن إلزامهم به لاحقاً تطبيقاً لقاعدة لا تكليف إلا بمعلوم.ففي سؤال لجريدة "الراي" الكويتية للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني حول التكتم على بنود الاتفاقية، قال الزياني في المؤتمر الصحفي المشترك له مع وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة: "لن نخفي عليكم شيئاً ولا نستطيع أن نخفي عليكم شيئاً". مضيفا: أما لماذا لم تنشر الاتفاقية سابقاً، فلأننا كنا ننتظر هذا اليوم المبارك لتصديقها من قبل القادة، والآن بعد أن باركوا الاتفاقية سيتم عرضها "وبتحصلونها في النت إن شاء الله".ونحن من جانبنا نتمنى فعلاً أن يتم نشر نص الاتفاقية في القريب العاجل حتى تطلع عليها الشعوب الخليجية، حتى وإن لم نشارك في إعدادها كما في الدول الأخرى، إلا أن هناك تساؤلات تدور بأذهان الكثيرين من إعلاميين وغيرهم، من بينها: لماذا تم اعتماد هذه الاتفاقية بكل هذا الهدوء المشوب بالحذر؟ ولماذا تم تطويقها بكل هذا الجدار العالي من السرية؟ وما هي المواد التي تم تعديلها؟ وهل ما تم تسريبه ونشره على الإنترنت في الشهور الماضية يمثل صورة طبق الأصل من الاتفاقية الحقيقية؟وهناك سؤال مهم جداً يتبادر بقوة إلى أذهاننا كإعلاميين، عن مدى تأثير هذه الاتفاقية الأمنية الخليجية على حرية الرأي والتعبير؟ فلقد كتب رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون في حسابه الشخصي على تويتر في الشهر الماضي: "إن الاتفاقية الأمنية النافذة – التي لم توافق الكويت عليها في السابق بسبب ما انطوت عليه من نصوص سيئة – سجلت عليها الكويت ملاحظات يمكن أن نقول عنها وبدون أدنى تردد إنها تعتدي على حرمة الدستور، وتغتال حرية التعبير، وتصادر حقوق الأفراد وتنتهك كرامة الإنسان". وأضاف السعدون: "إن الاتجاهات الأمنية القمعية التي يتضح أن دول المجلس تتجه إليها تعطينا كامل الحق في أن نكون على أكبر جانب من الحذر في شأن ما يمكن أن تنطوي عليه هذه الاتفاقية من شؤم في مجالات مختلفة، وأهمها الحريات العامة وخاصة حرية التعبير".كما أن نص المادة (2) من الاتفاقية التي تم نشرها في الشهر الماضي على المواقع الإلكترونية: "قيام كل دولة من الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع مواطنيها أو المقيمين بها من التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأعضاء"، يجعلنا نتساءل أيضاً عن دور الإعلام وعلاقته بهذه المادة، فهل يمكن اعتبار مادة إعلامية ما تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة أخرى عضو في منظومة مجلس التعاون الخليجي؟، هذا بالإضافة إلى مواد أخرى تحتاج إلى تفسير حيث جاءت فضفاضة.صحيح أن هناك مستجدات ومتغيرات إقليمية ودولية فرضت نفسها على أرض الواقع، وصحيح أننا في الخليج نواجه مشكلة خارجية تتمثل في تدخلات من بعض الدول كإيران، بجانب التوقعات بتدخلات – حميدة وأخرى غير حميدة – من قبل منظمات المجتمع المدني الدولية كحقوق الإنسان وغيرها، فنحن لسنا منعزلين عن العالم ولا عن تلك المنظمات الدولية، هذا بجانب المشكلة الداخلية المتمثلة في ما يحدث في بعض الدول الخليجية بين فئة من الشعب وحكوماتهم،بالإضافة إلى مشكلة الإسلاميين في بعض الدول، فكل هذه المشاكل على بساطتها وصغرها، إلا أنه لا يمكن غض الطرف عنها بل يجب حلها بكافة السبل والوسائل من أجل الوصول إلى بناء مجتمع خليجي ديمقراطي مدني سليم ومعافى.لا شك في أن دول الخليج دول مستقرة، وأنها دوماً تركز جهودها ومقدراتها على التنمية المستدامة، إلا أن قضية المشاركة الشعبية لأفراد المجتمع، باعتبارهم أصحاب الشأن، في صياغة وتنفيذ ورصد السياسات والبرامج والإجراءات هي إحدى غايات التنمية، كونها تساعد على تمكين المجتمع الخليجي وتحريك دوره الفاعل كمراقب للتنمية، فحجة أي قانون أنه يوضع ليحقق مصالح الأفراد وهو بالتالي نتاج إرادتهم، وطالما أن هذه الاتفاقية تخص الشعوب الخليجية، وطالما أن المواطن الخليجي له فيها حقوق وعليه واجبات، فإنه لمن المؤسف حقاً أنه في الوقت الذي رأينا فيه عدداً من الشعوب العربية تنتفض من أجل الحرية، نرى الشعوب الخليجية يتم تهميشها وعدم إشراكها – حتى ولو بالإعلام والإحاطة – في تشريعات تخص ديمقراطية المجتمع الخليجي وحرياته الأساسية، وبما أن أغلب الدول الخليجية لا توجد فيها مجالس حقيقية منتخبة، ولولا أنه لم يتم نشر مسودة الاتفاقية من قبل المواقع الإلكترونية الكويتية بعد مناقشتها في البرلمان الكويتي السابق، فإن الشعوب الخليجية لم تكن لتعلم بأمر هذه الاتفاقية.فهل جاءت الاتفاقية الأمنية الخليجية لتضيف إلى مخيلة العالم الخارجي – بمنظماته الدولية ومنظمات المجتمع المدني – دليلاً آخر أقسى وأعمق وقعاً على النفس على أن دول الخليج هي دول غير ديمقراطية؟ علينا ألا نضحي بديمقراطية المجتمعات الخليجية الآمنة (الاجتماعية والأسرية) – ذلك الطفل حديث الولادة – تحت أي ذريعة كانت، وعلينا أن نتعلم من الفيلسوف الانجليزي كارل بوبر، أحد أهم وأغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، عندما قال: "علينا أن نخطط للحرية وليس للأمن فقط، وذلك على الأقل لأن الحرية هي الشيء الوحيد الذي يجعل الأمن آمناً".