11 سبتمبر 2025

تسجيل

واقع الأمم في الأمثال والحكم

27 نوفمبر 2022

يقال في اللهجة المحلية "بوطبيع مايوز (أو يجوز) عن طبعه "، ولعل معنى هذا المثل معروف وواضح ولكن لزيادة التوضيح والتبيان نقول إن المثل يقصد به أن من تعود على أمر أو طبع أو خلق معين فمن الصعب أن يتركه أو أن يتغير، ولعل مفهوم هذا المثل موجود في أغلب اللهجات العربية ولكن بصيغ وطرق أخرى، ففي مصر والشام مثلا يقال " يموت الزمار وصوابعه بتلعب"، ويقولون في مصر أيضا "غلبتني اني اعدلك والطبع فيك غالب"، أي مهما نصحتك أو حاولت أن أقوم من سلوكك يا هذا فطبعك الذي نشأت عليه سوف يغلب ويظهر، وكما قالت العرب الطبع يغلب التطبع، ويقول الشاعر رشيد سليم خوري: نصحتك لا تألف سوى العادات التي ... يسرك منها منشأ ومصير فلم أر كالعادات شيئا بناؤه ... يسير وأما هدمه فعسير وفي الحقيقة أن الأمثال والحكم التي تتداول في المجتمعات الإنسانية المختلفة الشرقية والغربية منها وعلى مر العصور، انما هي انعكاسات لتجارب وأحداث مر به افراد هذه المجتمعات من خلال معايشتهم الحياتية اليومية، كما أنها تراكمات معرفية تناقلوها جيلا بعد جيل، وفي العادة تكون الامثال هي الخلاصة أو الاستنتاج أو النتيجة النهائية لما سوف يحدث ويكون بناء على المعطيات والدلائل الموجودة، وبالطبع هذا الامر ليس بصحيح على الاطلاق فلكل قاعدة استثناء كما نعلم. فإن آمنا بأن اغلب الامثال تنطبق على واقع الامر وتستشرف عواقب الاحداث، فهل بالإمكان اذن ان نتوقع أو نتنبأ بتصرفات من حولنا أو نتيجة افعالهم مسبقا؟ قد يكون هذا السؤال فلسفيا نوعا ما ولكنه جدير بالمناقشة. فمثلا من عرف عنه الكذب والتدليس في كلامه فمن الصعب أن تصدقه حتى لو حلف لك وأقسم، ويقول الاخطل الصغير في ذلك: إِذا عُرِف الكذابُ بالكذبِ لم يزلْ ...لدى الناسِ كذابًا وإِن كان صادقًا ومن اشتهر بالشح والبخل لا تنتظر منه العطاء والبذل والكرم، وحتى لو جاد هذا البخيل أو أعطى، فإن وراء ذلك ما وراءه ليقدم على مثل هذه الخطوة، ويقول اسحاق الموصلي في البخل: أرى الناسَ خلانَ الجوادِ ولا أرى ... بخيلًا له في العالمين خليلُ فإني رأيتُ البخلَ يُزري بأهلِه ... فأكرمتُ نفسي أن يقالَ بخيلُ وكذلك من اتخذ النفاق والتملق ديدنا في كلامه وافعاله لا تتوقع منه المصداقية في مشورته أو التجرد والشفافية في نصيحته، يقول ابن خطيب داريا في النفاق: إِذا الْمَرْء أبدى فِيك فرط محبَّة ... وَبَالغ فِي بذل الوداد وأكثرا فإياك أَن تغتر من بذل وده ... وَلَو مد مَا بَين الثريا إِلَى الثرى فَمَا حبه للذات فِيك وَإِنَّمَا ... لأمر إِذا مَا زَالَ عَنْك تغيرا. وقس على ذلك باقي الصفات المذمومة في الأشخاص والافراد الذين تطبعوا عليها منذ صغرهم بل وتربوا ونشأوا يمارسونها طوال حياتهم. وفي المقابل من تحلى بصفات طيبة كالصدق في الاقوال والافعال والشجاعة والإقدام في المواقف والشدائد، والتجرد والمصداقية عند إبداء الآراء واتخاذ الاحكام، فمن الصعب ان تراهم يتملقون أو ينافقون أو يخادعون لأنهم ببساطة ليست في طباعهم وترفضها قناعاتهم. ولكن وبالرغم من معرفة الناس لكل هذه الأمور فإن الطامة الكبرى أن هؤلاء الذين طبعوا على النفاق والرياء والتملق والتسلق "واللف والدوران" كم يقال، باتوا هم أصحاب اليد العليا في الأوساط الاجتماعية المختلفة، فتؤخذ منهم النصيحة وتطلب منهم المشورة ويُقرّبون ويُكرّمون ويوكل لهم الأمر ويصبحون ذا شأن حتى تتضح حقيقتهم، ولكن للأسف بعد فوات الأوان فيصبح الامر بعد ذلك كما يقال في المثل "لفات الفوت ما ينفع الصوت"، وتكون نتائج وعواقب ما تسببوا في افساده بعد ذلك كارثية فيصبح الامر بعد ذلك كما يقال في المثل الشعبي "الشق أكبر من الرقعة"، أي انه من الصعب اصلاح ما حدث فالمشكلة ذات ابعاد اكبر من أن نجد لها حلاً. وختاما أقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث إذ جاءه أعرابي فقال: متى الساعة قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري.