19 سبتمبر 2025
تسجيلالتعاضدية والتضامنية التي لجأت إليها الأنظمة العربية بشكل عام، والأنظمة الخليجية بشكل خاص، منذ تسلمها السلطة في البلدان العربية بعد خروج المستعمر أو إخراجه، من أجل تأبيد قضيتها على الحكم والسلطة، جعل من الاستحالة بمكان قيام مجال عام تداولي يعمل على تطور المجتمع مع العصر، ربط الشخص بالقبيلة، ومن ثم بالطائفة أو بالمكان الجهوي، أو بالنسب العائلي، كل هذه التعاضديات استطاعت السلطة أن تنميها وتقويها وتلعب على تناوبها وتقديمها وتأخيرها، بحسب ما يتطلب وضع السلطة، وقوة إمساك قبضتها على المجتمع، واستمرار هذه القبضة إلى درجة أن الإخلال بهذه القبضة يعني الإخلال بمكونات المجتمع، والعصف بوجوده، وإمكانية استمراره. من أمثلة هذه التعاضديات، التي تعمل الدول العربية بشكل عام على تقويتها، وارتهانها إليها، بشكل لا يدع مجالا لتكون مجالا عاما تداوليا في المجتمع، وعلاقتها بالمجال العام: أولا: القبيلة : تعمل الدولة في عالمنا العربي، والخليجي بشكل خاص، على تقوية القبيلة والقبلية بشكل يجعلها لا تمثل خطرا عليها بقدر ما تكون أداة في يدها، تماما مثل التطعيم الذي يعطى للمريض ليعتاد بدنه على الفيروس المنهك، ومن ثم يتحصل على المناعة الذاتية منه. ثانيا: الطائفة: في البلدان ذات التكوين الطائفي تلعب الدولة على حبل الطائفية، فتدعي الرغبة في تجاوزها، بينما الحقيقة تعمل على إدارتها بما يحفظ سيطرتها، ولاحظنا بعد تكشف الحقائق أن الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح كان يدعي محاربة الحوثيين، بينما هو في الحقيقة يستخدمهم كورقة لتمديد مدة حكمه، والرقص على رؤوس الأفاعي كما ادعى مرة، غيره كذلك العديد من الرؤساء العرب الذين استخدموا الورقة الطائفية في التمكين لاستبدادهم وطغيانهم. ثالثا: انغماس أصحاب السلطة المطلقة في التجارة، وتملك الأصول والتمدد داخل شرايين الاقتصاد حتى امتلاكه، بحيث يغذي الطرفان بعضهما بشكل احتكاري سلطوي يصعب الانفكاك منه. رابعا: شيوخ الدين : يتضح ذلك بشفافية في مناصب مثل مفتي الدولة، أو اتحاد علماء المسلمين أو الأزهر الشريف كل هذه المناصب مناصب حكومية أكثر منها مناصب تُمثل حقيقة مسمياتها. خامسا: الفضاء العام هو الكتلة غير العقدية والتكوينات الثقافية التي ترتفع عن مكوناتها الأولية بثقافتها ورؤيتها البراجماتية حول مصالحها وتطور المجتمع، لا يوجد وجود واضح لها داخل مجتمعاتنا، لأن الجميع منضوٍ داخل مرجعياته الأولية، إما طائفية أو قبلية، احتكارية اقتصادية، فليس هناك مجال عام خارج هذه التكتلات الأولية، أو خارج السلطة ذاتها، ليس هناك مستقلون بقدر ما يوجد تشكيلات ثابتة تحركها السلطة بالجزرة أو العصا. سادسا: تتصدى هذه التعاضديات التي ترعاها الدولة، لمحاولة المجتمع إيجاد أي فضاء حر يمكن له من خلاله التعبير عن رأيه، سواء باستخدام الدين أو الفتوى الدينية، أو بإقفال الباب الاقتصادي والاجتماعي في وجهه، سواء كان حزبا أو نقابة أو مؤسسة عامة أهلية. سابعا: يصبح المثقف رهين المحبسين في وضع كهذا، ليرتمي أخيرا في أحضان النظام، أو يبتعد وينزوي بعيدا عن دوره، وما يجب أن يقوم به من أجل مجتمعه. [email protected]