11 سبتمبر 2025
تسجيلالسلطة المطلقة مفسدة لهذا يظن ابن سلمان أنه «الأمير الجديد» ميكافيلي كتب عن المشهد السعودي ومقتل خاشقجي قبل ٥٠٠ عام الاعتقاد بأنه يمكن الثقة أو التعايش مع «الميكافيلي الجديد» فكرة خاطئة في السادس عشر من أكتوبر عام ١٨٦٨ كانت الصرخة الأولى لطفل اسمه أحمد شوقي، أصبح لاحقاً أمير الشعراء وكتب: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. واليوم في العام ٢٠١٨ نشهد في هذا العالم سقوطاً أخلاقياً رهيباً قادما من دول كانت حتى الأمس مضرب مثل، فالولايات المتحددة التي يقف فيها تمثال الحرية شامخاً وعدها الكثيرون قبلة العدالة والحرية والسلام، والمملكة العربية السعودية التي عدها الكثيرون أيضا قبلة الأمن والأمان والإسلام، يقعان في وحل سوء الأخلاق بشكل مدوٍ بسبب تصرفات أفراد على رأس الحكم فيها حالياً، فلم يكتفوا بتأكيد مقولة يرددها الكثيرون بأن السياسة بلا أخلاق، بل يؤكدون افتقارهم كأفراد للأخلاق السياسية، وافتقادهم كنظام لسياسة أخلاقية. ما يحدث اليوم ليس غريباً، فالالتزام الأخلاقي للأفراد صعب جداً إتجاه البسيط من أفعال وكلمات في حياتهم اليومية، فكيف بمن يحكم الدول ويمسك بزمام سلطة.. خاصة إذا كانت مطلقة، والسلطة مفسدة في كل الأحوال. لقد كان ميكافيلي أول من قام بفصل الأخلاق عن السياسة، وطريقة إدارة الحكم اليوم في السعودية مثلاً ميكافيليه بامتياز، وترامب تعجبه هذه الميكافيلية وهو القادم من قلب المتعنصرين للعرق المعادين لكل ما هو غير أمريكي، فكان لقاء ميكافيلية ابن سلمان بعنصرية ترامب خير أرض ليستغل فيها الأشقر العنصري الأسمر المتجبر. وكلما مر خبر عملية القتل تذكرت ما قاله ميكافيلي عن هذا الموضوع حيث قال: «اذا أردنا الإساءة لإنسان فيجب أن تكون هذه الإساءة على درجة بالغة لا نضطر بعدها إلى التخوف من انتقامه، يجب أن نلاحظ أن علينا إما أن نعطف على الناس أو نقضي عليهم إذ أن في وسعهم الثأر للإساءات الصغيرة، أما الإساءات الخطيرة والبالغة فهم أعجز من أن يثأروا لها»، وفي رأيي هذا هو السبب الحقيقي في قتل خاشقجي بهذه الوحشية، ليكون رسالة لكل من يفكر أن يعارض «الأمير». ومن الصدف الغريبة أن ميكافيلي الذي فصل الأخلاق عن السياسة في كتابه الشهير الذي صدر عام ١٥١٣ قام بتسميته بنفس لقب محمد بن سلمان الحالي.. «الأمير»، وقراءة سريعة لهذا الكتاب تجعلك في غاية الدهشة، فإما أن كاتبه استبصر المستقبل وكتب عن ابن سلمان ٢٠١٨، أو أن ابن سلمان سار في ٢٠١٨ على نهج ما كتب في ١٥١٣. خذ مثلاً هذه العبارة في كتاب الأمير حيث يقول ميكافيلي وكأنه يصف الحكم في السعودية: « وهكذا فمن الخير أن تتظاهر بالرحمة وحفظ الوعد والشعور الإنساني النبيل والإخلاص والتدين، وأن تكون فعالاً متصفاً بها، ولكن عليك أن تعد نفسك، عندما تقتضي الضرورة، لتكون متصفاً بعكسها. ثم يضيف بشكل مدهش: ويجب أن يفهم أن الأمير- ولا سيما الأمير الجديد - لا يستطيع أن يتمسك بجميع هذه الأمور التي تبدو خيرة في الناس، إذ انه سيجد نفسه مضطرا، للحفاظ على دولته، لأن يعمل خلافا للإخلاص للعهود، وللرأفة والإنسانية والدين. إن ما يقوم به ابن سلمان الذي قال عن نفسه إنه يحب القراءة إنه قرأ ما يحب أن يقرأه فقط، فقرأ كتاب الأمير وظن أنه الأمير الجديد فيه، دون أن يقرأ كتب العلوم السياسية التي تتحدث عن الدول الكهولة أو أسباب سقوط الدول الكبيرة جغرافياً. وفي الولايات المتحدة حليفة ابن سلمان، فإن الأمريكيين اليوم ليسوا مصدومين من الأخلاق السياسية لقائدهم بقدر صدمتهم أنه قام بإخراجها للعلن، فدولة خاضت كل هذه الحروب وتبيع كل أنواع الأسلحة وتقضي على العراق من أجل نفطه وتحت فيتنام والصومال وتدمر أفغانستان وتدعم ابن سلمان في اليمن وتمتلك غوانتنامو لا أخلاق سياسية ولا أعراف ولا أخلاق لدى قادتها أصلاً، لكنها كلها كانت في الخفاء وتمرر وفق كلمات أخرى أو عمليات إعادة إنتاج وعي لتقبلها، بينما فضح ترامب أمريكا وتاريخها الخفي وأصبح يمارس «العري السياسي» علناً. في المقابل فإن ابن سلمان يمارس ما كان يمارسه الرؤساء في أمريكا في فترة ما قبل ترامب بحكم سيطرته على العقول السعودية من خلال الآلة الإعلامية الضخمة التي يمتلكها أو تلك التي تقدمها له الإمارات، فيقوم بالشيء السييء تحت عناوين مختلفة، فمحاربة الدين «انفتاح»، والقبض والتنكيل بالعلماء والمثقفين «لأمن الوطن»، وسرقة أموال المستثمرين ورجال الأعمال «محاربة فساد»، وقتل خاشقجي «تصفية خونة»، وفي كل مرة يقبل العامة بهذه الكلمات بفضل تغييب الوعي المستمر. علينا أن ندرس التاريخ لنعرف مع من وكيف نتعامل، مسألة الثقة في أشخاص من هذا النوع مضيعة وقت، ومسألة الاعتقاد أن مثل هؤلاء الأشخاص يمكن التعايش معهم فكرة خاطئة، هؤلاء الأشخاص ميكافيليون بشكل مطلق. حتى عندما أرى مستوى المستشارين الذين يتخذهم ابن سلمان له أتذكر قول ميكافيلي: ولا ريب أن الإنسان الذي يريد امتهان الطيبة والخير في كل شيء، يصاب بالحزن والأسى، عندما يرى نفسه محاطاً بهذا العدد الكبير من الناس الذين لا خير فيهم. ولذا فمن الضروري لكل أمير يرغب في الحفاظ على نفسه أن يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير وأن يستخدم هذه المعرفة أو لا يستخدمها، وفقاً لضرورات الحالات التي يواجهها. نحن أمام حالة جديدة ستدرس مستقبلاً كنموذج سييء في الإدارة والحكم، لهذا فإن العالم اليوم مضطر أن ينتظر لحين مرور الشر بأقل الخسائر، لأن مقارعة الجنون جنون، ومقاومة الشر هو الواجب الوحيد الذي على الجميع الاتفاق عليه حالياً. أتخيل يوماً انني سألتقي ابن سلمان، حزيناً مكتئباً، لأنه اختار ما يريد من كتاب الأمير، دون أن يعتبر لأهم عبارة فيه تقول: الكثيرون قد تخيلوا جمهوريات وإمارات لم يكن لها وجود في عالم الحقيقة والطريقة التي نحيا بها، تختلف كثيراً عن الطريقة التي يجب أن نعيش فيها، وأن الذي يتنكر لما يقع سعياً منه وراء ما يجب أن يقع، إنما يتعلم ما يؤدي إلى دماره بدلاً مما يؤدي إلى الحفاظ عليه بالنسبة للعرب، لا يحتاجون إلا أن يعودوا لحي الحنفي في القاهرة، وأخذ بيت أحمد شوقي وتعليقه في كل بيت لمواطن وكل مؤسسة حكومية ولتعمل عليه ليكون منهاج حكم وإدارة، حيث يقول شوقي: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا [email protected]