28 أكتوبر 2025
تسجيلبشريات بالصبر على عسر المدين والتيسير عليه، بالإمهال والتنزيل من الدَّيْن وحسن التقاضي. الأصل فيها "وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ". وحديث البخاري: «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» فضلا عن آيات القرض الحسن (الست ) التي لا سابع لها في التنزيل الحكيم، وفيها الوعد الرباني بالمضاعفة في ثلثيها (آيات البقرة: 245والحديد: 11+18 والتغابن:17) فضلا عن معية الله، وتكفير السيئات الصغيرة، ويتوج ذلك الوعد بالجنة، آجر نفسك بتلاوة هاتين الآيتين. "وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..." وهذه بشريات خمس: 1: تجاوز الله تبارك وتعالى عنهفي الصحيحين: " كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ". في هذا الحديث: دليل أن المؤمن يلحقه أجر ما يأمر به من أبواب البر والخير، وإن لم يتول ذلك بنفسه". وفضل إنظار المعسر، والوضع عنه إما كل الدين أو بعضه، وفضل المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء سواء عن الموسر والمعسر، ولا يحتقر شيء من أفعال الخير، فلعله سبب للسعادة، وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف، وشرع من قبلنا شرع لنا. 2: التيسير لليسرىقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى " وفي صحيح ابن ماجة: «مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة». والتيسير يكون على مُعسر مُسلم أَو غَيره بإبراء أَو هبة أَو صَدَقَة أَو نظرة إلى ميسرَة. أو إعانة بنحو شفاعة أو أي وسيلة تُخلصِّه من ضائقته، ويكون جزاء الدائن المتساهل هذا عند الله أن يُيَسِّر الله عَلَيْهِ مطالبه وأموره فِي الدُّنْيَا بتوسيع رزقه وَحفظه من الشدائد ومعاونته على فعل الخيرات وَفي الْآخِرَة بتسهيل الْحساب وَالْعَفو عَن الْعقَاب. ونحو ذلك من وجوه الكرامة والزلفى ولما كان الإعسار أعظم كرب الدنيا لم يخص جزاؤه بالآخرة بل عممه فيهما وهذا التيسير في الآخرة من بركات الإيمان والعمل الصالح إضافة إلى عظيم فضل الله وإلا فإنه يوم عسر لقوله تعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) وقوله: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) وقوله: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).3: الاستظلال بظل اللهفي صحيح ابن ماجة: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُظِلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، فَلْيُنْظِر مُعْسِراً أَوْ لِيَضَعَ لَهُ». وهذه تربية وقيادة بالحب "مَنْ أَحَبَّ" في الصحيح: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيْمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هذه النصوص دالة عَلَى أن حديث السبعة الذين يظلهم الله فِي ظله الحديث المشهور، لا يدل عَلَى الحصر، ولا عَلَى أن غيرهم لا يحصل لَهُ ذَلِكَ الفضل العظيم — الذي نسأل الله تعالى أن يمن علينا به —، ومعنى الظل هنا: الكرامة والكنف والكِنُّ من المكاره فى ذلك الموقف، قال: ولم يرد الظل من الشمس، وهو معلوم في لسان العرب، يُقال: فلان في ظل فلان، أى في كنفه وحمايته، وهو أولى الأقوال، ويكون إضافته إلى العرش لأنه مكان التقريب والكرامة كما جاء في بعض الروايات: "في ظل عرشي"، وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله. 4: النجاة من كرب يوم القيامةعند مسلم «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَع عَنْهُ». والتنفيس بمعنى التفريج، يدخل فيه الإنظار والوضيعة وحسن التقاضي. وأنه لا يجوز حبس المدين المعسر بالدين، بل يُخلى ويُمهل إلى أن يحصل له مال فيأخذ الغرماء والدائنون حقوقهم وبذلك حافظت الشريعة السمحاء على كلا الطرفين، في صحيح مسلم: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ»، وليس معنى قَوْله: ((لَيْسَ لكم إِلَّا ذَلِك)) أَن مَا وجدوه وَإِن لم يَفِ بِأَمْوَالِهِمْ هُوَ قدر مَا يجب لَهُم، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: لَيْسَ لكم (الْآن) إِلَّا مَا وجدْتُم وَيبقى من الدُّيُون فِي ذمَّته إِلَى حِين يسَاره. كما في كشف مشكل الحديث لابن الجوزي. فقد يجعل الله بعد عسر يسرا فلا تضيع حقوق وأموال الناس. وإنما المعنى أيضاً لهذا الكلام: أنه ليس لكم زجرُه وحبسُه؛ لأنه ظهرَ إفلاسُه، وإذا ثبت إفلاسُ الرجلِ لا يجوز حبسُه بالدَّين، بل يُخلَّى ويُمهَل إلى أن يحصلَ له مالٌ، فيأخذ الغُرماءُ بعد ما حصل له مالٌ ديونَهم".كما في المفاتيح شرح المصابيح5: احتساب أجر صدقات يوميا حتى الأجل ويضاعف بعده في صحيحي الجامع والترغيب: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَة قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَة». توضيحه: لو أقرض مسلمٌ شخصا ألف ريال لمدة شهر، فله كل يوم يمر ثواب ألف ريال صدقة، حتى ينقضي الشهر فإذا انقضى الشهر ولم يسدده وصبر عليه فله كل يوم ثواب ألفي ريال صدقة إلى أن يسدده، مهما طالت المدة. والله تعالى أعلم. قال السبكي: وَزَّعَ أجرَه على الأيام، يكثُر بكثرتها، ويقلُّ بقلَّتِها، فالْمُنْظِرُ ينال كلَّ يوم عِوضًا جديدًا، وسِرُّه ما يُقاسيه المُنْظِر من ألم الصبر مع تشوق القلب لماله فلذلك كان ينال كل يوم عوضا جديدا. وهذا الأجر والعِوض اليومي المماثل والمضاعف لا يقع حال الإبراء من الدَّيْن فأجره — أوفر — إلا أنه ينتهي بنهايته. ولا يعني أن الإنظارُ أفضلُ على الإطلاق من الإبراء. هذا وبالله التوفيق.