13 سبتمبر 2025
تسجيلمما يروى أن ملكاً كان يتفقد أنحاء مملكته عندما مرّ على قرية ووجد أهلها يشربون من (الترعة) مباشرة، فأمر بوضع (زير) ليشربوا منه ثم مضى ليُكمل باقي جولته، أمر بعدها كبير الوزراء فوراً بشراء زيرٍ ووضعه على جانب الترعة ليشرب منه الناس، وبعد أن وصل الزير إلى مكانه قال أحد الموظفين: هذا الزير مال عام وعُهدة حكومية لذلك لابد من حارس يقوم بحراسته وكذلك لابد من عامل سقاية، وبالطبع ليس من المعقول أن حارس وعامل سقاية سيتمكنان من العمل طوال الأسبوع فلا بد من تعيين 7 حُراس ومثلهم عمال سقاية للعمل بنظام المناوبة لضمان حراسة وملء الزير طوال الوقت، كما أنه لابد من تعيين فنيين لصيانة الزير. ومع تزايد أعداد الموظفين العاملين في الزير ألمح أحد الخبراء في مكتب الوزير والذي يتمتع ببُعد نظر وصاحب رؤية ثاقبة بأنه لا بد من إنشاء إدارة حسابية وتعيين محاسبين لصرف الرواتب للموظفين العاملين في الزير، لتتبعها فكرة أخرى من خبير آخر بأنه لابد من تعيين مشرفين على الحُراس والسقايين والفنيين لتنظيم عملهم، وهنا لابد من إنشاء إدارة لشؤون العاملين وعمل كشوف حضور وانصراف، ليتساءل خبير آخر فيما إذا حدثت تجاوزات أو منازعات بين العمال فلا بد من إيجاد نظام يفصل بينهم، وهنا تأتي الحاجة لإنشاء إدارة للشؤون القانونية للفصل في أي قضية أو مشكلة قد تحدث للعاملين. وبعد أن تم تشكيل هذه الإدارات جاء أحد كبار الموظفين في الوزارة باقتراح تعيين موظف كبير ليترأس شؤون الزير، وبالفعل تم انتداب أحد الموظفين من ذوي الخبرة ليترأس الزير وشؤونه. وبعد مرور سنة؛ كان الملك يمر كالعادة متفقداً أرجاء مملكته فوجد مبنى فخماً وشاهقاً مُضاء بأنوار كثيرة وتعلوه "لافتة كبيرة" مكتوب عليها (الإدارة العامة لشؤون الزير)، ووجد في المبنى غرفاً وقاعات ومكاتب كثيرة، كما وجد رجلاً مُهيباً وأشيب الشعر يجلس على مكتب كبير وأمامه لافتة تقول: الأستاذ الدكتور الفيلسوف الطيار الذي ترأس الكثير من الشركات والهيئات وقدّم الكثير من الأبحاث وبراءات الاختراع "مدير عام شؤون الزير"! فتساءل الملك مندهشاً عن سر هذا المبنى؟ وهذه الإدارة الغريبة التي لم يسمع بها من قبل؛ فأجابته الحاشية الملكية: بأن كل هذا للعناية بشؤون الزير الذي أمرت به للناس في العام الماضي يا مولاي ! ذهب الملك لتفقد الزير فكانت المفاجأة أن وجده فارغاً ومكسوراً وبداخله "ضب ميّت" وبجانبه حارس وعامل سقاية نائمان وبجانبهما لافتة مكتوب عليها: "تبرّعوا لإصلاح الزير" مع تحيات الإدارة العامة لشؤون الزير!! (منقول) الشاهد من هذه القصة التي رواها صاحبها من وحي خياله، أنه كثيراً ما يتم تضخيم الأمور رغم صغرها بدواعي التنفيع والذي هو شكل من أشكال الفساد الذي يبرره أصحابه أنه للمصلحة العامة، فعلى معظم دولنا العربية على سبيل المثال؛ لو تمعنّا جيداً في عمل عدد من الهيئات أو المؤسسات واقتفينا أثر هذا العمل لوجدناه لا يواكب التطلعات المرجوة في ظل ما يخصص من ميزانيات ضخمة لها، وبالتالي هدر مال كان من الأفضل استغلاله لتحسين خدمات أو على الأقل استثماره لصندوق الأجيال القادمة أو الاستفادة منه لخلق وظائف للعاطلين عن العمل أو ضخه في صندوق المتقاعدين واستثماره لإيجاد عائد يدعم برامج وامتيازات للمتقاعدين، وحتى لا تكون هذه المؤسسات والهيئات أشبه بـ "الإدارة العامة لشؤون الزير"!! فاصلة أخيرة إذا انتقدنا قالوا إننا "سلبيين" وقصدنا تشويه صورة الوطن أمام الآخرين وهو ما يعد وفق نظرتهم "خيانة" و"قلة حيا"، إذن فلنكن كما تريدون طالما أننا نسعى للإصلاح ومعالجة السلبيات للنهوض بالوطن لأعلى المراتب، فالفرق بيننا أننا "نحب" الوطن ونترجمه بأفعالنا، أما أنتم فتحبونه "استعراضاً" أمام أعين الناظرين !!